فى الحقيقة لم أكن أتوقع كل هذا الكم من رسائل العتاب والغضب التى استقبلتها عبر الهاتف والمحمول والبريد الإلكترونى، بعضها من أصدقاء أعزاء قريبين من قلبى وعقلى، والبعض الآخر من القراء الأعزاء الذين أعتز بهم وبآرائهم على مدى أكثر من عشرين عاماً منذ أن شرعت فى الكتابة بالصحف، والظهور فى وسائل الإعلام المختلفة، على اعتبار أنها وسائل جيدة لتوصيل الرسالة التى أريد أن أوصلها لمن يقرأ أو يشاهد، وأعتقد أن الهدف الأسمى فى كل ما أكتب أو أقول كان هو ما تنصحنا به الآية الكريمة «قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين» صدق الله العظيم. لذا فقد تفهمت سبب غضبهم منى وصدمتهم لوجود اسمى كمؤلف لقصة فيلم «قبلات مسروقة»، واتهمنى البعض بالازدواجية لأننى أقول وأكتب كلاماً يمزج ما بين العلم والدين، ثم آتى لأكتب مثل هذه القصص المثيرة للغرائز، والمليئة بالمناظر الفجة التى يخجل المرء من رؤيتها فى وجود أبنائه وبناته. واعتبر البعض أن مجرد وجود اسمى على الأفيش إنما هو موافقة ضمنية على كل ما احتواه الفيلم من مشاهد ومناظر غير مقبولة، لذا فقد وجدت نفسى مضطراً لأن أكتب بعض التفاصيل التى يجب أن يفهمها الناس، وسوف لا أعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى . بدأت القصة التى كان اسمها الأصلى «ثمن السقوط» من وحى حادث وقع لفتاة أحبت أحد زملائها فى الكلية، وتزوجا عرفياً، وكانت الفتاة تنتمى إلى أسرة ثرية ومعروفة، بينما الشاب ينتمى إلى أسرة فقيرة ومتواضعة، وبطبيعة الحال لم يكملا الحياة معاً نظراً للفروق الضخمة بينهما، وعدم التكافؤ الذى ظهر واضحا فى أسلوب تعامله معها بعد الزواج. وعندما طلبت الفتاة منه الانفصال أخذ يساومها حتى باعت خاتمها الماسى الذى ورثته عن أمها، وأعطته ثمنه لكى يسلمها ورقة الزواج العرفى ويطلقها، وبعد انفصالها عنه أكملت دراستها وتخرجت فى الجامعة، وأثناء ذلك تعرفت على أحد أساتذتها الذى كان نموذجاً للعريس المناسب لها وتزوجته، وبعد زواجها جاءها اتصال تليفونى فى زوجها السابق يطلب منها فيه أن تسامحه لأنه يشعر أنه ظلمها، ويخبرها بأنه قد أصيب بمرض الإيدز. ووقع الخبر عليها كالصاعقة لأنها كانت تعالج انتظارا لحدوث حمل، وكانت بالفعل تنتظر نتيجة التحليل، وذهبت إلى نفس المعمل الذى تنتظر فيه نتيجة تحليل الحمل، وأجرت اختبارا ً وفحصاً للإيدز، وجاءتها النتيجتان فى نفس الوقت، فهى حامل فى شهرها الثانى. وفى نفس الوقت أظهر التحليل أنها حاملة لعدوى فيروس الإيدز، واسودت الحياة أمام عينيها فقد أصبحت فى حيرة: ماذا تقول لزوجها الذى كذبت عليه ولم تخبره بموضوع زواجها الأول السرى؟ وماذا لو أنه التقط العدوى وهو طبيب يعمل بالجراحة، أى أن مستقبله المهنى قد انتهى؟ وماذا سوف تفعل مع الطفل الذى بين أحشائها والذى كانت تنتظره بفارغ الصبر؟ وفى النهاية كتبت رسالة لزوجها تطلعه فيها على حقيقة ما جرى، وتعتذر له عن عدم استطاعتها الاستمرار معه كزوجة، وتعتذر له عن كل ما سببته له من آلام، وتعده بألا يراها بعد ذلك أبداً، ولكنها تخبره بأنها سوف تحتفظ بجنينها منه لعله ومع الأدوية الحديثة ينجو من الإصابة بالفيروس لكى يظل يذكرها بأغلى من أحبت فى حياتها. هكذا كانت القصة التى تحمل مضموناً ورسالة غير مباشرة للشباب للوقاية من هذا المرض اللعين. وبالفعل كتب السيناريو والحوار للقصة الأستاذ أحمد صالح وهو من الكتاب المتميزين، واشترى القصة جهاز السينما برئاسة المنتج النشط الأستاذ ممدوح الليثى، وتفاءلت خيراً بأن يخرجها خالد الحجر الذى أخرج فيلم حب البنات من قبل، إلا أن الفيلم ظل لمدة تزيد على السنتين يلف بين أيادى الممثلين والممثلات، وكلهم يهربون من تمثيل دور مرضى بالإيدز والحقيقة أننى صدمت لهذه العقلية التى تعبر عن جهل وقصور فى المعلومات والثقافة، فى الوقت الذى يتبارى فيه الرجال والنساء على تمثيل أدوار الشواذ والسحاقيات. وفى النهاية استقر رأى المنتج وكاتب السيناريو على تغيير السيناريو، وتم حذف التيمة الأساسية والعقدة فى الفيلم من الإيدز وكل الرسائل المغلفة التى تدور حوله، إلى جريمة قتل ساذجة بسبب ممارسة دعارة، وبناء عليه تم وضع اسم أحمد صالح كمشارك فى تأليف القصة لأنها خرجت عن إطارها الأساسى. ولقد شاهدت الفيلم فى مهرجان الإسكندرية السينمائى، وأخذت ابنتى معى لكى ترى باكورة أعمال والدها فى السينما، وكنت فى غاية الأسف والخجل مما شاهدت، قبلات شهوانية عمال على بطال، ومشاهد تعبر عن النهم الجنسى والجوع الغريزى غير المبرر والتى تم إقحامها على العمل، ولا تحمل وراءها أى قيمة فكرية، وعلمت أن الأستاذ أحمد صالح قد رفع قضية على المخرج يتهمه فيها بتغيير السيناريو والحوار الذى كتبه. وأخيراً.. أرجو أن يكون كل من لامنى قد فهم أبعاد القصة كاملة، وأن كاتب القصة ليس مسؤولاً عما يشاهده المتفرج على الشاشة، ولكنه فقط مسؤول عما بين ضفتى كتابه أو قصته كما كان أستاذنا العظيم الراحل نجيب محفوظ يردد دائماً، فهناك كاتب للسيناريو والحوار، وهناك المخرج، وكل منهما له رؤيته وإبداعاته، وعلى العموم فأنا أعتذر لكل من دخل الفيلم لأن اسمى مكتوب عليه، فوجد أشياء يخجل منها ولا ترضيه، ولكننى والله غير مسؤول عن ذلك. [email protected]