كيف تستوى التهدئة مع العدوان العسكرى الإسرائيلى المنظم؟ فعلى الرغم من القناعة السائدة فى إسرائيل بأن حركة حماس الحاكمة فى قطاع غزة غير معنية على الإطلاق بتفجير التهدئة، إلا أن كبار جنرالات الجيش الإسرائيلى أعربوا عن تقديرهم بأن انفجاراً عسكرياً واسع النطاق ستشهده غزة خلال الشهرين المقبلين، خاصة أن يوم التاسع عشر من ديسمبر المقبل سيكون يوم انتهاء اتفاق التهدئة الذى أقر قبل ستة أشهر فى مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس عبر مصر. إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلى الذى يؤكد من حين إلى آخر حرصه على استمرار التهدئة هو نفسه الذى أعطى قيادة الجيش الحق فى أن تقرر أى خطوات عسكرية تريدها، وعليه فهو لم يعترض على القيام بعمليات حتى خلال التهدئة مثل العمليات العسكرية العدوانية التى تمت فى الأسبوع الماضى جنوب شرقى قطاع غزة وخان يونس، والغارة الجوية التى قتل فيها فلسطينيون، وهو ما يعنى أن الرد سيكون الصاع صاعين من قبل الفلسطينيين الذى لن يقفوا مكتوفى الأيدى إزاء الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة وغير المبررة، فضلاً عن الحصار المستمر والمعابر المغلقة، وإغراق غزة مرة أخرى فى ظلام دامس الأمر الذى ينافى شروط التهدئة جملة وتفصيلاً. هذا التناقض الذى يمارسه جنرالات الجيش الإسرائيلى ضد سكان قطاع غزة إنما يمر ضمن خطة يحاول من خلالها باراك النجاح فى معركته الانتخابية فهو فى حالة يرثى لها من الناحية الجماهيرية داخل إسرائيل، فالاستطلاعات تشير إلى أن حزب العمل تحت قيادته سينهار ويخسر ثلث قوته وربما أكثر، والإسرائيليون ينسون الرصيد العسكرى الغنى الذى يحمله باراك كرئيس أركان سابق للجيش، وقائد لعشرات العمليات الغاشمة داخل دول عربية، وحامل أكبر عدد من أوسمة الشجاعة فى تاريخ الجيش الإسرائيلى. وعندما يسأل الإسرائيليون اليوم عن الشخصية التى يثقون بأنها قادرة على مجابهة التحديات العسكرية لإسرائيل من إيران وحزب الله، وحماس وغيرها، يختارون بنيامين نتنياهو فى المقام الأول، وليس باراك، لذا فهو (أى باراك) يريد أن يذكر الجميع بأنه رجل الأمن رقم واحد بين القادة السياسيين فى إسرائيل اليوم. وإذا كانت هذه هى حسابات جنرالات الجيش فى إسرائيل، وهى سياسة متبعة منذ زمن للوصول إلى الحكم على جثث الفلسطينيين، فإن الفلسطينيين لهم أيضاً حساباتهم وإيمانهم بالمقاومة والدفاع عن النفس، إذ لن يقف سكان القطاع مكتوفى الأيدى أمام العدوان الهمجى الإسرائيلى حتى وإن كانت التهدئة الهشة هى ما يقف حائلاً أمامهم، فلأول مرة تطلق كتائب القسام الجناح العسكرى لحماس صواريخ جراد على بلدة أسدود المتاخمة لغزة فى تطور نوعى قض مضاجع الجنرالات الإسرائيليين الذين اعتبروه تطورا نوعيا جديدا، بالإضافة إلى أن سكان قطاع غزة قد تعودوا على النقص فى غذائهم وشرابهم وأدويتهم وتأقلموا مع الوقت على هذا الوضع، وهم قادرون على الاكتفاء بالقليل. فعندما كان مشروع التهدئة امتحاناً إسرائيلياً لحركة حماس التزمت الأخيرة به، لكن ما حدث أن إسرائيل هى الدولة المعتدية دوماً وهى التى لم تلتزم بشروط هذه التهدئة، خاصة بعد فشلها فى توظيف التهدئة لتعزيز حالة الفصل بين الضفة وغزة، وجعل التهدئة منطلقاً لها لفتح قناة اتصال مباشر أو غير مباشر على حركة حماس بعيداً عن السلطة الفلسطينية لتحرير الجندى الأسير جلعاد شاليط لدى حماس، وهذا لم يحدث، فحتى الآن لم تستطع إسرائيل تحرير الجندى الأسير، كما أنها لم تستطع إيقاف نزيف صواريخ المقاومة من مختلف الفصائل والتى مازالت تهدد بلداتها الجنوبية المحاذية لقطاع غزة. فمنذ عدة شهور أعد الجيش الإسرائيلى خطة للهجوم على قطاع غزة تتضمن هذه الخطة عدة سيناريوهات تنفذ بعدة درجات، أقساها الاجتياح وإعادة الاحتلال الكامل للقطاع، وهى تبدأ بعدة عمليات اجتياح خفيفة تترافق مع سلسلة اغتيالات عينية لشخصيات عسكرية، لكنها تتضمن أيضاً عمليات اجتياح أوسع وإعادة احتلال للشريط الحدودى المعروف باسم فلادلفيا على طول الحدود بين قطاع غزة وسيناء المصرية، وتوسيع نطاق الاغتيالات ليشمل قادة سياسيين متطرفين ، من وجهة نظرها. لكن هذه السيناريوهات لم تنفذ لصعوبتها، ومردودها الخطير بالنسبة للجيش الإسرائيلى واحتمالات خسائره المؤكدة، فهل تريد إسرائيل تنفيذ هذه الخطة المؤجلة رغبة منها فى استثمار ما تبقى من وقت للإدارة الأمريكية الحالية برئاسة بوش الداعم والراعى لكل ممارساتها؟ وفى المقابل ما خطط حركة حماس تجاه خرق التهدئة الواضح من جانب إسرائيل والرد الفلسطينى عليها، خاصة أن التهدئة كان قد توسط فيها الجانب المصرى والآن ليس هناك حالة وفاق بين مصر وحركة حماس، والتهدئة تحتاج إلى الدور المصرى، فإذا كانت حماس بحاجة لمثل هذه التهدئة فلابد لها من العودة إلى مصر لتطلب منها الوساطة مباشرة فيها، فهل تكون هذه الخطوة هى البداية لعودة المياه إلى مجاريها بين حماس والقيادة المصرية بعد أن عكرتها أجواء المماطلة من جانب حماس فى حوار القاهرة؟!