بعيداً عن التعريفات المعجمية أو ما جاء فى القواميس بشأن كلمة «معارضة»، أتناولها هنا فى جوانبها السياسية. لقد استقرت النظم السياسية على شكل معين من أشكال الحكم، يتضمن ببساطة وجود فئة تحكم بناء على أغلبية أنصارها ومؤيديها، كما يتضمن فئة أخرى تعارض الفئة الحاكمة من خلال شرعية وجودها الأقل عددا وتمثيلا، سواء فى البرلمان أو غيره من المحافل التمثيلية والخلاصة أن الفئة الحاكمة تنفذ أفكارها وسياساتها التى انتخبها الشعب على أساسها، بينما الفئة المعارضة تحرص على نقد هذه السياسات وإظهار الجوانب السلبية فيها ولو بتضخيم هذه السلبيات، وهذا حق المعارضة فى ظل عدم قدرتها على تغيير الواقع والانتقال إلى مقاعد الأغلبية أو الحكم. فى النظم المتقدمة سياسيا وديمقراطيا، استقرت الأعراف والتقاليد بين الجانبين وصار كل جانب يعرف حدوده وحقوقه وصار الأداء تحكمه قواعد تجعل الشعب المراقب لهذا الأداء يحترم الطرفين. فى مصر مازالت التجربة فى طور النمو، لذلك تجد أن المعارضة تخرج عن الدور المعتاد والمألوف للمعارضة فى كل دول العالم فى محاولات منها مستمرة للتشكيك فى كل خطوة تخطوها الأغلبية أو الفئة الحاكمة، حتى لو كان هذه التشكيك غير مبنى على أى أسس منهجية. ولأن أحزاب المعارضة ضعيفة فى الشارع السياسى، كان البديل هو التوسع فى نشر المقالات الصحفية لتعويض هذا الضعف، فتجد هنا وهناك مقالات فى عشرات الصحف الحزبية أو الخاصة يكتب فيها سياسيون من كل الاتجاهات، فتجد أن سياسيين شيوعيين أو يساريين يكتبون فى صحف يمينية، والعكس صحيح. وتجد آخرين يكتبون فى الصحف المعارضة بأسلوب ناقد مهاجم قاس، وعندما يكتبون فى الصحف القومية تتبدل أحوالهم فيكتبون بأسلوب مختلف، مراعاة لأكل العيش! فى جانب آخر تستعطف المعارضة الحزب الوطنى لكى يترك لنوابها فى البرلمان بعض المواقع فى هيئات مكاتب لجان المجلس، بينما يعلم قادة المعارضة أن هذا ليس من القواعد السياسية المألوفة، لكنهم يهدفون فى النهاية إلى إثارة الزوابع للفت الانتباه بشكل أو بآخر، فإن استجاب الحزب الوطنى لهم وأعطاهم بعض المواقع فقد كسبوا، وإن لم يستجب، وهذا حقه لأن تشكيل هيئات المكاتب يتم بالانتخاب، فقد استطاعوا أمام الرأى العام أن يظهروا الحزب الوطنى على أنه حزب مستبد، لا يقبل أن يفسح لهم مكانا ولو صغيرا بجانبه. لقد سعى نواب المعارضة للتأثير على قادة مجلس الشعب لكى يحصلوا على مواقع فى اللجان، وبالطبع طغى طابع المجاملة على المقابلة، لكن صفوت الشريف، أمين عام الحزب الوطنى، كان حاسما فى إعلان موقف الحزب من هذه القضية، فالحزب سيعيد ترشيح أعضائه لكل المواقع فى اللجان، ورغم تهديد المعارضة السلبى بأنهم لن يشاركوا فى انتخابات رئيس المجلس والوكيلين أو مكاتب اللجان، فإن هذا لم يكن إلا استكمالاً لخطتهم أمام الرأى العام، مدركين تماما أن المشاركة أو عدم المشاركة لن تغير من الواقع شيئا. الواقعية السياسية لا تعرف المجاملات فى قواعد وتقاليد راسخة، فالسياسة هى فن الممكن، وإذا لم تستطع المعارضة أن تحقق الممكن بالنسبة لها، فيجب ألا تلتمس من الحزب الوطنى أن يترك لها بعض المواقع. وفى كل الأحوال، المعارضة لديها مواقع ومساحات إعلامية واسعة يمكن أن تعوضها عن مواقع اللجان، فالصحف الخاصة والحزبية والفضائيات مفتوحة على مصراعيها لقادتها، لكى يقولوا للرأى العام ما يريدون.