كلما مضى العمر بها، رسمت طفولتها، لأنها حين كانت طفلة رسمت شبابها. لا تزال تذكر «جاذبية سرى» التى ولدت فى 11 أكتوبر عام 1925 بالقاهرة، والدها «حسن» الذى يهوى القراءة، وأعمامها هواة الرسم والتصوير، وتذكر أيضا شهاداتها بالمدرسة ومادة الرسم مكتوبا أمامها بخط عريض «راسبة». «الوطن» لوحة «جاذبية» البيضاء حتى وإن حصلت على الدراسات العليا فى التصوير من باريس عام 1951، وروما عام 1952، ولندن عام 1955، تلونها بمشاكل المرأة المصرية حينا، وبواقعنا الاجتماعى والسياسى حينا آخر، وبين معرض وآخر تجد فرشاتها مغموسة فى مجرى النيل. الشهداء دائما هم الجزء الحى فى ذاكرة الثورات، لذا لم تنس «جاذبية» «أم صابر» أيقونة ثورة 1919 المرأة التى قاومت الاحتلال الإنجليزى وسقطت شهيدة، رسمتها لتحتفى بها فى أول معرض خاص بها عام 1949، وكانت عضوة آنذاك فى جماعة «الفن المصرى الحديث» من خلال هذه اللوحة عرفت حركة الفن التشكيلى المصرى فنانة ذات طابع خاص. الشخصية المصرية فى لوحات «جاذبية» خريجة دبلوم الفنون الجميلة قسم التصوير عام 1948، ودبلوم التربية الفنية عام 1949، هى عنوانها المفضل فى معارضها الخاصة فى العديد من الدول العربية مثل لبنان، وتونس، والكويت، وفى الدول الأجنبية مثل فرنسا، وإيطاليا، وإنجلترا، وألمانيا، والسويد، ورومانيا، والولايات المتحدةالأمريكية، وكندا، وساحل العاج، وتفخر دوما بأن أعظم أعمالها لوحة «الحياة على شاطئ النيل». تحب «جاذبية» الحياة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، قدمت ما يقرب من 72 معرضا خاصا فى مصر وخارجها، لها فى عهد الملك فاروق ما يقرب من 5 معارض، وفى عهد الرئيس جمال عبدالناصر 8 معارض، وفى عهد الرئيس السادات 11 معرضا، وفى عهد الرئيس مبارك 21 معرضا، وأثناء الفترة الانتقالية للمجلس العسكرى قدمت معرضا واحدا، ومثله مشترك مع «إنجى أفلاطون» و«تحية حليم» فى عهد الرئيس مرسى. «الطيارة».. إنها الطفولة حين تتجلى فى لعبة ورقية تطير، وهى عنوان لوحة «جاذبية» التى عرضت فى متحف «مترو بوليتان» فى نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية لتسجل أول حضور مصرى بالمتحف. جوائز الدولة وإن كانت متأخرة فلها مذاق خاص، فبعد جائزة روما للتصوير فى إيطاليا عام 1952، والجائزة الشرفية للتصوير بالزيت فى بينالى فينيسيا عام 1956، والجائزة الرابعة الكبرى للفن العالمى المعاصر فى موناكو عام 1968، جاءتا جائزة الدولة التشجيعية عام 1970، والتقديرية عام 2000، لتحققا ل«جاذبية» علامة الحضور المميز فى الفن التشكيلى المصرى. اختارت «جاذبية»، 88 عاما، أن تبقى أعمالها مسطحة دون تظليل مما يعطى اللوحة إيحاءً بالتجسيم، ودعمت لوحاتها بالألوان الخافتة الهادئة، لا تكثر من الألوان، وتحدد رسومها بخطوط داكنة، وبهذا النمط الخاص تستطيع أن تقنع المشاهد بالشكل الظاهر والمضمون الخفى، لذلك وصفها الناقد الإيطالى «كارمينى سينسيكالكو» بأنها «من معالم البانوراما المصرية للفن النسائى»، كما نشرت لها الجامعة الأمريكية كتاب «الشغف بالألوان» باللغة الإنجليزية عام 1998، الذى يضم مقالات عن حياتها وفنها بقلم عدد من الكتاب. «جاذبية سرى» مشروع فنى طويل يوثق تطور مصر وأحداثها وفق رؤيتها، بدأت بمعاناة الفلاح والنساء والضغوط الاجتماعية أثناء الاحتلال، واختفت خلف البيوت والمبانى أثناء الانكسار والهزيمة، ثم انتقلت للتعبير عن الطفولة والمرح أيام السلام، وعبرت أثناء غربتها عن حنينها للوطن بالصحراء، ولكن حين أرادت أن تعبر عن نفسها فقط، فشلت، لأنها اكتشفت أنها «كل ما سبق».