نبهتنى إحدى الزميلات فى جامعة رويال هولواى البريطانية إلى وجود عشرات المقاطع المصورة، التى تم رفعها خلال الأسابيع الماضية على اليوتيوب، يحمل معظمها إشارة نصية واحدة، هى: آثار مصرية للبيع!! وبما أن علاقتى بالآثار لا تتجاوز حلقة من برنامج تحقيقات تليفزيونية كنت أقدمه قبل ستة أعوام حول تهريب الآثار، فإننى أدعو المختصين والخبراء، وعلى رأسهم الوزير فاروق حسنى، وزاهى حواس، رئيس المجلس الأعلى للآثار، إلى أن يطبعوا فى خانة البحث على اليوتيوب هذه العبارة الصادمة، ليشاهدوا ما شاهدت من لقطات مروعة، إذا تم التحقق من صدقيتها، ستكون عاراً فى جبين الحكومة وأجهزة الأمن بأكملها. يبدأ أحد هذه المقاطع بلقطة لورقة مدون عليها تاريخ التاسع من مايو الماضى، مثبتة على تابوت حافل بالنقوش الفرعونية البارزة والغائرة، ويبدو من الوهلة الأولى أن هذا التابوت يعود لشخصية بارزة فى التاريخ الفرعونى.. ثم تنتقل الكاميرا ذات الجودة المنخفضة بحركة عشوائية إلى تماثيل فرعونية بحجم الإنسان، يضطر المصور غير المحترف إلى تحريك أحدها لاستعراض الكتابات الهيروغليفية المنقوشة على ظهره، وقبل أن ينتهى المقطع بعودة للتاريخ المثبت على التابوت، نرى التماثيل جميعها فى لقطة واسعة، لنكتشف أن عددها لا يقل عن العشرة، بما فيها التابوت. يتجاوز عدد من شاهدوا هذا المقطع ألفاً وأربعمائة، أشك فى أن بينهم مسؤولاً مصرياً واحداً غيوراً على وطنه، وإلا لكنا سمعنا عن تحقيق فى الأمر.. أما التعليق المصاحب للمقطع فيقول على لسان صاحبه بالنص: (آثار مصرية للبيع عبر إرسال رسائل لى).. بينما تتضمن الكلمات المفتاحية اسم (سقارة)، وهى من أهم المقابر الفرعونية التى تعرضت للسلب والنهب، وربما يتذكر الدكتور زاهى حواس مقابلتى التليفزيونية معه حول هذه الكارثة عام 2003، والتى انزعج فيها من أدلتى على إهمال بعض موظفيه، وقال لى بالنص، متهكماً: «إنت تنفع تكون مذيع فى اسكوتلانديارد، أو فى الأفلام الخيالية»!! مقطع آخر بعنوان (عبقرية الفراعنة)، نسمع فيه أصواتاً لأشخاص يستعرضون بانبهار لعبة فرعونية بديعة، عبارة عن نموذج لإنسان داخل لوح مقعر، يؤدى تقليبه إلى تغير مساحة الضوء والظل على ملامحه، فنتوهم أنه يحرك رأسه ويتابعنا بنظراته.. «عم محمود»، كما يطلقون عليه فى الفيديو، يحاول تصوير التمثال الصغير بهاتفه المحمول من كل جوانبه، بينما يعبر الآخرون عن دهشتهم، ويؤكد أحدهم أنه بات ليلته يتأمل فى التمثال، أما الحاج أحمد كما يطلقون عليهم، فيبدو أنه المشترى الذى يريد الاطمئنان على بضاعته.. المثال الثالث لمقطع تظهر فيه عشرة تماثيل فرعونية مذهّبة صغيرة الحجم، إلى جانب تابوت كبير، ملقى بإهمال على أرضية غير معبدة، ويتفانى المصور غير المحترف فى إبداء النقوش المختلفة على التابوت، بينما يتضمن مسار الصوت عبارة الفنان أحمد السقا فى فيلم الجزيرة: «من النهارده مفيش حكومة.. أنا الحكومة»!! وتوفيراً لجهد المشاهد، فإن رافع المقطع وضع رقم هاتفه على رأس المعلومات المصاحبة، لكننى وجدته «غير متاح» عندما حاولت الاتصال به للتثبت من هوية صاحبه.. إلى جانب هذه المقاطع، يستضيف موقع يوتيوب عشرات المقاطع الأخرى المشابهة، والتى لا يمكن أن تكون جميعها مجرد مزحة وخفة دم.. هناك بالتأكيد آثار خرجت من مخادعها، وهذه الظاهرة تواجه أجهزتنا الأمنية بعدد من الأسئلة: أين هذه الآثار المصرية المعروضة على الإنترنت؟ ومن هم هؤلاء الذين سمعنا أصواتهم واستفزتنا لهجتهم المصرية؟ وهل جرى البحث عن هذه الآثار على الإنترنت، أم اكتفت أجهزة الأمن بالتفتيش فى حقائب المسافرين؟ ويا ترى هل يمكن أن نجد لوحة فان جوخ المسروقة على اليوتيوب؟ [email protected]