فى منزَل كوبرى أكتوبر المؤدى إلى الزمالك، وبالتحديد إلى الشارع الذى يقع فيه نادى الجزيرة وعند المنعطف تجد فى معظم أوقات النهار رجلاً بدون قدمين جالساً صامتاً ينتظر - والله أعلم - ماذا.. فى البداية اعتقدت أن الأمر عادى، متسول مثل الذين امتلأت بهم البلاد.. إلا أن الأمر مختلف، أو لأقل ليس تسولاً عادياً.. فحسب ظنى أن هذا استغلال.. أعتقد أن شخصاً ما يستغل حاجة هذا الرجل أو عاهته وأفسر استنتاجى هذا بالدلائل الآتية... أولاً: الرجل يجلس صامتاً لا يمد يده مثل باقى المتسولين... ثانياً: إنه لا يفتح فمه ولا ينطق بحرف، وإن نجحت فى إعطائه أى مال لا تجد عنده رد فعل.. ولكل ما سبق أعتقد أن هذا الرجل إما مريض نفسى أو تائه عن الدنيا ويتم نقله ووضعه فى هذا المكان.. لكن الذى لا أفهمه هو لماذا عند منعطف الكوبرى أو منزل الكوبرى؟ وعلى بعد أمتار منه تجد رجلاً لا أعتقد أنه طاعن فى السن ولكنه من الذين غطتهم الأتربة، وترك الزمن وقلة الاستحمام علاتهما عليه.. يجلس فوق بطانية أو ينام داخلها تجده أياماً عديدة ثم يختفى.. لدرجة أننى عندما لا أجده أفكر: أتراه مات؟ غريب أمرنا، نحن نتعود على أمور عجيبة فى الحياة... هذا الرجل آراه منذ سنين... أود أن أعرف حكايته، أين يذهب ولماذا يختار نزلة الزمالك؟ وتجده أحياناً بالليل وفى عز الشتاء.. أنا لا أتحدث عن التسول الذى أصبح آفة منتشرة فى شوارع القاهرة.. أتحدث عن حالتين أعتقد أنهما تمثلان استغلالاً للبشر من قبل عصابة أو أحد الناس... لست أدرى إن كانت مخيلتى هى التى صورت لى هذا، ولكن من المؤكد أن وراءهما حكايتين إنسانيتين... أما المتسولون، فرغم تقديرى الشديد وتعاطفى مع من هم دون مستوى الفقر... إلا أن هناك الكثير من الجمعيات التى من الممكن أن تساعدهم... ولكن يوم تسول يعود عليهم بالكثير.. وأحكى لكم حكاية حقيقية حدثت لى فى رمضان الماضى: كنت واقفة أمام سوبر ماركت شهير عندما اقتربت منى فتاة فى العشرين من عمرها تتسول فاستغربت وسألتها: إنتى بصحة جيدة ما رأيك لو تعملين لدى؟: فأجابتنى: لأ طبعاً أنا باربى أيتام.. فحاولت إقناعها أن مال العمل أشرف من مال التسول.. فضحكت وقالت لى: شكلك ست طيبة، سيبك من كلام الشغل ده وادخلى جيبيلى شنطة رمضان... دى مش غالية قوى، ده رمضان كريم.. صُدمت طبعاً وأجبتها: الله أكرم.. وأذكر فى هذا المعنى حديثاً شريفاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال المسألةُ بأحدكم حتى يلقى الله وليس فى وجهه مزعة لحم»، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيأتى بحزمة من الحطب فيبيعها، فيكف الله بها وجهه خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه».. مع تحياتى لحملة «عام الكرامة» التى تقوم بها ساقية الصاوى. [email protected]