كم تؤلمنى بعض المشاهد التى يتشدق أبطالها بقشور لا مكان لها غير المحرقة.. فلم أنس مشهد ضرب سيدة مجتمع محدثة لابنها الصغير لا لذنب سوى تحيته للصديقات بالعربى وليس بالإنجليزية التى أصبحت عنوانا للتحضر حتى لمن لا يفقهون (A B C D) ممن هم على شاكلة فنانة عربية لا يخلو لقاء تليفزيونى لها من التباهى ببعض الكلمات الإنجليزية ونطقها بطريقة مقززة لم نفهم منها غير اعوجاج الفم من الشمال إلى اليمين.. فماذا بعد فى جعبة التقليد؟ شباب ضاع فى هوّة إفرازات التغريب وراح يتخبط بين خطوط موضة تتأرجح بين جنسين.. تحت مسمى (إيمو) و(البويات) وأنواع من التسميات الغريبة.. وبين عبادة شيطان ولعبة موت حديثة تمارسها مجموعة من الشباب.. تقوم بشنق من يقع عليه الاختيار لقياس قدرته على التحمل والاستمتاع بلذة العذاب قبل الموت!!! شباب كما يصفه الفيلسوف الكبير الدكتور زكى نجيب محمود.. رافض لعصره.. غير فاهم لتاريخه الذى يوجِب بناء الحاضر عليه. ليس هذا فحسب بل هناك شرائح اجتماعية أضاعت جذورها فى تربة المباهاة بالعروق التركية والفارسية والأوروبية وكأن جذورنا وأصولنا أصبحت عارا على من ينتمى إليها!! كم جميل أن تتمازج الحضارات ويضاف إليها ما يفيد الأمم من علوم وثقافات ذات قيمة وكم هو رائع أن تقف حضارة فى وجه صراع حضارى، متحصنة بإبداعاتها وإنجازاتها على مر العصور، متسلقة سلّم التطوير من عصر إلى آخر، متماهية مع الحضارات الأخرى لتصل إلى خلاصة التقدم والرقى لا أن تُجْتَثّ وتستبدل بمحاكاة ما هو غير مستحب حتى لأصحابه فى تخبط عشوائى ورقص فى ظلام الحاضر، لتفقد هوية تعتبر أهم قضية للشعوب والثقافات المعاصرة فى متاهات التبعية غير الواعية وغير المتوازنة والتى يلعب فيها التعليم والإعلام والطفرة المادية دوراً أساسيا أدى إلى ما نراه من طمس لحضارتنا وتراثنا ولغتنا حتى أصبحنا لا نجيد غير التقليد الأعمى بدءاً بالمجتمع والعادات السيئة وضياع القيم.. مرورا بالفن وما اعتراه من تلوث لفظى وعرى وجنس وجرائم فى أغلب الأفلام والمسلسلات.. إلى إعلام متخاذل وبعض صحف ماهرة فى صياغة الشائعات وقتل الأعراض وصلب شرف رموز سياسة وفكر وفن على أعمدة الفضائح الصفراء دون حسيب أو رقيب وخوف من الله.. فمتى؟ متى نلحق ما تبقى لنا من فلول حضارة؟ متى نقتحم بوابة الأمل.. نتقدم الصفوف أمة متبوعة.. منتجة.. تصنّع وترتقى بصناعتها إلى العالمية لا أمّة تصنّع إبرة لتبعث بها إلى الصين كى تُخْرم!! متى يا مفكرينا.. ومثقفينا وأولياء أمورنا؟؟ الطوفان قادم ونحن غفاة فى سفينة ترد فكرى واجتماعى وسياسى متوسدين الصمت.. الطوفان قادم يقتلع الجذور ويكتسح الأرض والعِرض.. والبوصلة بلا عقارب.. والربابنة فى نشوة تغييب.. والقدوة فى عالم الغيب.. والطوفان يندفع.. العراق.. السودان.. لبنان.. غزة.. والقدس وتهويد قادم لابتلاعها ولا طوق نجاة.. فالأطواق بيعت بصفقات وعقود شركات اتصالات وأسلحة ترتد إلى الصدور.. ولجنة القدس فى إجازة مفتوحة.. والجامعة العربية استبدلت مهامها فيما ليس من صلاحياتها من تجديد وتمديد لأنظمة.. وسؤال؟ من أين يا وطنى يأتى لك الأمل وفيك جرح عصىّ ليس يندمل؟ من أين يا وطنى يأتى لك الأمل والقدس قد دُنّست والعرب تقتتل؟ إليك... أنطلق مغيّبة لتهيم بى فى عالم أثيرىّ تأخذنى إلى مملكة الحلم.. نمتطى الغيمات تتهادى بنا بعيدا عن سماء الوطن المقهور القابع فى المجهول تتربصه الممسوخات الشبقة وأنياب الضباع الجائعة والخفافيش العطشى.. انطلق بى إلى ملكوتك المشيّد على قمم المحال.. أتقرفص عند قدميك.. تفكّ وثاق الدمع المربوط على أعمدة الكبرياء.. ينهمر على كفيك.. يستحيل بشائر خضراء تفكّ حلقات حزنى الأزلى.. يا سيدى.. يا سيد اليوم والغد.