فى خطوة تهدف إلى ابتزاز الرئيس الفلسطينى محمود عباس، اشترطت إسرائيل للسماح بمنح السلطة الفلسطينية ترخيصاً لإنشاء شركة ثانية للهاتف النقال فى مناطق نفوذها، قيامها بسحب الطلب الذى تقدمت به حكومة سلام فياض للمحكمة الدولية للتحقيق بارتكاب إسرائيل جرائم حرب خلال حربها على قطاع غزة نهاية عام 2008. الحكومة الإسرائيلية أرسلت رسالة واضحة للسلطة الفلسطينية تؤكد فيها أن سحب الطلب الفلسطينى من أمام المحكمة الدولية فى لاهاى هو شرط أساسى لمنح الترخيص، وقد اتجهت إسرائيل إلى ابتزاز السلطة بهذا الشكل لعلمها أن رئيس الحكومة د. سلام فياض يولى هذه القضية أهمية قصوى، على اعتبار أنه متطلب أساسى لتطوير البنى التحتية الخدماتية فى الضفة الغربية. يأتى ذلك فى الوقت الذى لاتزال فيه ردود الفعل على تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة «تقرير جولدستون» الذى أدان إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، تطغى على اهتمامات أركان الدولة العبرية، وتحديداً الأمنيين الذين يخشون تعرض ضباط كبار فى الجيش الإسرائيلى إلى الملاحقة القانونية سواء فى المحكمة الدولية فى لاهاى، أو فى محاكم دول أوروبية مختلفة تتيح قوانينها التقدم بطلب اعتقال مسؤولين مشبوهين بارتكاب جرائم حرب، وقد انتقلت إسرائيل من مرحلة الهجوم المنفلت على مضمون التقرير، ومعده القاضى اليهودى الجنوب أفريقى «ريتشارد جولدستون»، إلى الإعداد لمواجهة التقرير بحجج قانونية مضادة من خلال تجنيد كبار الخبراء فى القانون، فصعّدت إسرائيل من مضايقاتها للسلطة الفلسطينية وأبلغتها أنها تشترط سحب الشكوى المقدمة للمحكمة الجنائية فى لاهاى من أجل منحها ترخيصاً لتشغيل شركة هواتف خلوية ثانية فى الضفة الغربية. غير أن إسرائيل لم تكتف بذلك، بل تسعى فى الأيام الأخيرة لتشكيل هيئة قضائية إسرائيلية أمريكية لمواجهة التقرير قانونياً وإعلامياً على الحلبة الدولية. ومن المؤكد أن الإجراءات التى تقدم عليها إسرائيل حالياً، تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وقضائية، الأمر الذى جعل هناك خشية لدى المنظمات الحقوقية من المحاولات المتلاحقة لتسييس القانون الدولى والاستمرار فى تجاهل محاسبة مجرمى الحرب، وبشكل خاص فى أعقاب تقرير لجنة تقصى الحقائق برئاسة «جولدستون»، خاصة أن إسرائيل تحاول الآن ابتزاز المجتمع الدولى، وتربط قضايا سياسية ووضع شروط للعودة للمفاوضات مقابل التقليل من أهمية التوصيات التى وردت فى تقرير «جولدستون»، رغم وضوح الإدانة لإسرائيل، فيما ورد فى هذا التقرير من ارتكابها جرائم حرب أدت إلى تشوهات خلقية للمواليد فى المناطق التى تعرضت للقصف باستخدام قذائف الفوسفور الأبيض، والكثير من الأسلحة المحرمة دولياً. ورغم المحاولات الإسرائيلية المستميتة لإجهاض تقرير «جولدستون» فإن منظمات حقوق الإنسان عاقدة العزم على متابعة نتائج التقرير وتوصياته، وعدم السماح لأى طرف يحاول تجاوز تطبيق القانون أو القفز على محاسبة مجرمى الحرب الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بأن يفلت من العقاب.. فهل تستطيع هذه المؤسسات الحقوقية مواجهة إسرائيل؟!