5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سمير غطاس يكتب : إخراج أمريكا من سوق الموسكى
نشر في المصري اليوم يوم 24 - 09 - 2009

 يثير عنوان هذا المقال الكثير من الدهشة وربما حتى بعض السخط والامتعاض، فما علاقة أمريكا التى تبعد عنا بعشرات آلاف الأميال بسوق الموسكى التى تتوسط المسافة بين حى الحسين وميدان العتبة الخضراء فى قلب القاهرة ؟!..
 كان العنوان يمكن أن يكون أكثر منطقية لو قلنا إخراج الصين من سوق الموسكى، لأن البضاعة الصينية وليست الأمريكية هى التى تغمر هذه السوق من أول فوانيس رمضان إلى الذهب الصينى وما بينهما من سلع وبضائع ولعب أطفال. والحقيقة أن اختيار هذا العنوان كانت قد فرضته علينا القمة الثلاثية المفاجئة التى جمعت أبومازن بنتنياهو برعاية أوباما فى أحد فنادق نيويورك الثلاثاء الماضى، كانت دعوة الرئيس أوباما لهذه القمة أشبه باستدعاءات الشرطة للناس فى بلادنا، مجبرين ومجرورين، ربما ينطبق هذا الأمر على الرئيس أبومازن أكثر مما ينطبق على نتنياهو.
ومع ذلك لا يبدو كل هذا الكلام مقنعا لإزالة الدهشة من العنوان الذى يربط العلاقة بين أمريكا وسوق الموسكى، ربما تكمن سر هذه العلاقة فى الطبيعة المشتركة بين سوق الموسكى والسياسة الأمريكية المعتمدة حتى الآن بخصوص تسوية الصراع العربى – الإسرائيلى فى منطقة الشرق الأوسط، ففى سوق الموسكى لا تعقد فى الغالب صفقات كبرى لتجارة الجملة، والبيع القطاعى، وبالمفرق هو النشاط التجارى الغالب فى هذه السوق، كما تتميز الموسكى بهامش واسع من عمليات المساومة والفصال على الأسعار وثمن السلعة،
 وقد استعار القاموس السياسى هذه الصفة فيما بات يعرف بمصطلح «المساومة فى البازار الشرقى»، ومن المؤسف حقا القول إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة من هارى ترومان إلى أوباما تعاملت جميعها مع قضية التسوية فى الشرق الأوسط بنفس عقلية البائع المتجول فى سوق الموسكى: البيع بالتجزئة والقطعة، والمساومة والفصال فى كل قطعة على حدة، والحقيقة أننا نتحمل قسطاً من المسؤولية عن هذه السياسة الأمريكية للأسباب الثلاثة التالية:
1- لأننا عجزنا منذ نشأة القضية الفلسطينية حتى الآن عن ممارسة أى تأثير إيجابى معاكس للتأثير الصهيونى على محافل صنع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا العجز تغذيه بلا انقطاع العقلية السائدة التى تبدأ وتنتهى عند نتيجة «مافيش فائدة من محاولة تغيير الموقف الأمريكى».
2- إننا قبلنا، ولانزال، الانخراط فى لعبة سوق الموسكى، وبحجج مختلفة ومتعددة.. قبلنا منطق التسويات الجزئية والمرحلية والمنفردة، ودخلنا فى لعبة المساومة والفصال التى لا تنتهى على سعر كل تسوية انتقالية أو مرحلية، وفى بعض الحالات اشترينا «التروماى» و«العتبة الخضرا» مثل إسماعيل ياسين ولم نتسلم أبداً البضاعة.
3 - إننا لم ننجح بعد فى الخروج من عقلية سوق الموسكى، ويتعامل طرفا الصراع الفلسطينى والسورى بنفس عقلية البائع المتجول فى السوق الشعبية، بالمنافسة والمناكفة والمضاربة وبتغليب المصلحة الفردية الخاصة على أى اعتبار آخر، وتمثل المبادرة العربية للسلام، التى أقرتها القمة العربية فى بيروت فى 28/3/2002، حدثاً استثنائياً يكسر عقلية التجزئة وسياسة التعامل بالقطعة مع قضايا التسوية،
لكن هذه المبادرة ليست مجرد إعلان عن النوايا العربية الحسنة، بل هى أداة لنقل الصراع السياسى على التسوية إلى أرضية أخرى خارج الملعب الإسرائيلى – الأمريكى المفضل للانفراد بكل طرف ومساومته على التسويات الانتقالية والمرحلية أو المنفردة، ولن تتحقق هذه المبادرة من تلقاء نفسها ودون آليات دبلوماسية وبرامج وخطوات إجرائية تدعمها وتخوض بها هذه المعركة السياسية الضارية لكسر المنطق السائد فى التعامل مع التسوية بنفس عقلية البازار الشرقى.. وربما كان من الضرورى القول إن التهديد المتكرر بسحب هذه المبادرة، دون وجود بديل لها، لا يضير إسرائيل ولا يضرها بقدر ما يفيدها ويخدمها.
إن الحديث عما يخصنا من المسؤولية عن الوضع الراهن لا يعنى مطلقا تبرئة ساحة أمريكا من مسؤوليتها الأساسية عن استمرار حالة الصراع والاستنزاف والتواطؤ على إعاقة وتعطيل جهود الحل والتسوية بالإصرار على اعتماد منهج الحلول الجزئية والمرحلية والمنفردة. وفى ضوء هذه الرؤية يمكن إجراء مراجعة أولية لموقف الرئيس الأمريكى الجديد أوباما من التسوية بميزاته وأخطائه. كان الرئيس أوباما تميز عن أسلافه بالخصائص التالية:
1- إنه، مع كل انشغالاته الكبرى، باشر منذ بدء ولايته الاهتمام الجدى بملف التسوية للصراع فى الشرق الأوسط، ولم يرجئ القيام بهذا الواجب إلى مشارف نهاية ولايته كما فى حالتى بيل كلينتون وبوش، أو إلى ما بعد انتهائها كما فى حالة جيمى كارتر.
2- إن أوباما هو الرئيس الأول الذى اعتبر التسوية فى الشرق الأوسط مصلحة استراتيجية لأمريكا.
3- إنه أظهر، حتى الآن، قدراً أكثر توازناً وأقل مجاملة لإسرائيل.
لكنه مع هذه الميزات تورط فى ارتكاب ثلاثة أخطاء كبيرة يمكن رصدها فيما يلى:
1- إنه فى محاولته التخلص من إرث بوش لم يبدأ جهوده بشأن التسوية من حيث انتهى سلفه، كان يمكنه البناء على ما أنجزته أكثر من 50 جولة من المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية فى عام 2008 للتوصل إلى ما يسمى اتفاق الرف، وهو وإن لم يكن كاملاً أو كافياً إلا أنه كان بكل المعايير صيغة متقدمة جداً عن كل ما سبق أن أنجزته جولات المفاوضات السابقة، وينطبق الكلام نفسه على مسار المفاوضات السورية – الإسرائيلية، والذى أعلن الرئيس السورى بشار الأسد بنفسه أنه كان على بعد شعرة واحدة من التوصل إلى اتفاق نهائى بشأن الجولان، ولا يعد الخروج من جلباب بوش مبرراً كافياً لعدم بدء أوباما جهوده من حيث انتهى سلفه.
2- إن أوباما الذى لا يخطئ أحد فى تقدير كاريزمته الشخصية، لم يظهر بعد ما يكفى لوضعه فى مصاف القادة الاستراتيجيين، قد يكون الوقت مبكراً لإطلاق مثل هذه الأحكام القاطعة، لكن ممارساته حتى الآن فيما يخص قضايا الشرق الأوسط اتسمت بقدر غير قليل من أنماط التعامل السائدة فى أسواق الموسكى أو الحميدية، فمع تقديرنا الكامل لموقفه المبدئى من إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان، فإنه ارتكب ثلاثة أخطاء فى تعامله مع هذه القضية:
أولها أنه عرضها على أساس المقايضة: وقف الاستيطان مقابل الموقف من إيران النووية، والثانى أنه تعامل مع الاستيطان بمنطق تاجر التجزئة رغم أنها واحدة من 6 قضايا الوضع النهائى، ومن ثم ارتكب الخطأ الثالث عندما ورط مبعوثه الخاص جورج ميتشل فى عملية مساومة وفصال سخيفة مع نتنياهو، مرة حول الثمن الذى يجب تحصيله من العرب مقابل الوقف المؤقت للاستيطان، ومرة ثانية حول مدة هذا التوقف وهل هى لسنة كاملة أو لتسعة أشهر، ومرة ثالثة للفصال حول عدد المبانى وطبيعتها وما إذا كانت للنمو الطبيعى أو للمرافق العامة، وهكذا خسر أوباما هذه الجولة قبل أن تبدأ، وإذا ما واصل الانزلاق فى التعامل مع كل قضية تسوية بمنطق البازار الشرقى بالقطاعى والمفاصلة فى السعر، فقد لا يتجاوز أوباما فى نهاية ولايته ما حصده كلينتون من فشل أو ما جناه بوش من خيبة أمل.
3- إن أوباما لم يدرك بعد أن استدعاء أبومازن ونتنياهو لقمة نيويورك ليس كافياً لإطلاق عملية المفاوضات المجمدة، وقد تطلب هذا الأمر من الرئيس بوش حشد أكثر من مائة دولة فى اجتماع أنابوليس فى 27/11/2007 واستصدار القرار 1850 من مجلس الأمن، من أجل حث الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى على العودة لمائدة المفاوضات، فيما تبدو الأمور الآن أكثر تعقيداً فى ظل حكومة نتنياهو.. ومن السذاجة السياسية الاعتقاد بأن عقد القمة الثلاثية على النحو الإكراهى الذى جرت به يمكن أن يدفع عجلة المفاوضات للدوران من جديد.
 ومن جهتها، كانت ردود الفعل على قمة نيويورك أشبه بما يحدث من مشاجرات فى الأسواق الشعبية من تصايح وصراخ وتراشق بالاتهامات، وفيما اعتبرت الأغلبية فى إسرائيل أن هذه القمة كانت «مجرد نكتة» - حسبما وصفها بذلك ناحوم برنياع كبير المحللين فى «يديعوت» - أو أنها فرصة لالتقاط الصور كما كتب آفى بسخاروف فى «هاآرتس»، فإن المعارضة الفلسطينية تطرفت كثيراً فى ردود أفعالها على هذه القمة ولم تتورع عن نزع الشرعية عن أبومازن واستعادت إلى الأذهان مفردات التخوين ومصطلحات بيع القضية والتفريط والتنازل، وهى من الأمور المعتادة وغير المستغربة على الساحة الفلسطينية الموبوءة بكثير من الفيروسات،
 كانت نفس هذه المواقف قد سبق لها أن اتهمت ياسر عرفات بأنه باع القضية وتنازل عن الحقوق الثابتة فى قمة كامب ديفيد قبل أن يتضح أنه من رفض صفقة باراك وضغوطات كلينتون، وأنه ربما دفع حياته ثمناً لرفضه هذا، وتكرر المشهد نفسه عندما اتهمت المعارضة أبومازن ببيع القضية فى أنابوليس، واتضح لاحقاً أنه رفض عرض أولمرت وضغوطات بوش ولم يوقع على ما يعرف باتفاق الرف، ومن فرط الصراخ والتصايح ربما لم يسمع أنصار هذه المعارضة تصريحات أبومازن، التى قال فيها علنا: «إن موقفنا قبل الاجتماع وبعد الاجتماع سيبقى كما هو»،
 وأضاف: «إن استئناف المفاوضات يتوقف على تنفيذ الجانب الإسرائيلى التزاماته ووقف كل أشكال الاستيطان بما فى ذلك النمو الطبيعى، وأن يكون هناك تحديد كامل لمرجعية العملية التفاوضية على أساس الاعتراف بالانسحاب من حدود الرابع من يونيو 67 وإنهاء الاحتلال وتحديد حدود الأراضى المحتلة التى تشمل الضفة الغربية وغزة والقدس الشريف والبحر الميت وحوض نهر الأردن وما يسمى الأرض الحرام».
 وأضاف: «هذا الموقف أكدناه فى لقائنا الثنائى والثلاثى»، ومع احترام كل ذلك فإنه ليس هناك مجال لإنكار انكفاءة أبومازن، التى قد يكون اضطر لها لتفادى إغضاب الرئيس الأمريكى أوباما، لكن تعطل لغة الحوار الحضارى يحيل كل خلاف فى الرأى إلى ما يشبه المشاجرة فى الأسواق، ومن الضرورى القول هنا إن أبومازن لم يكن وحده من انكفأ، بل أوباما بالأساس الذى يبدو أنه تراجع عن إلزام إسرائيل بتجميد الاستيطان واكتفى فقط بطلب كبح جماحه، كما قال فى كلمته، فاعتبر نتنياهو أنه كسب الجولة الأولى بالنقاط، ولكن حتى بافتراض أن أوباما نجح فى إرغام الطرفين على الجلوس على مائدة المفاوضات فى ظل كبح جماح الاستيطان، فإن مثل هذه المفاوضات الثنائية لن تسفر فى نهاية الأمر عن حل أو تسوية لهذا الصراع فى غياب مشروع دولى للتسوية غير قابل لإعادة التفاوض عليه،
وفى ظل استمرار التعامل مع التسوية بعقلية سوق الموسكى أو البازار الشرقى. وربما لهذا نطرح هنا مجموعة من الأفكار التى قد تسهم فى إجراء قطيعة كاملة مع العقلية التى تتعامل مع التسوية السياسية بمنطق أسواق التجزئة وأنماط البازار الشرقى فى المساومة والفصال، ومن أبرز الأفكار ما يلى:
1- حسم الموقف من العودة لخيار المفاوضات الثنائية، لأنها ستصل بنا فى نهاية المطاف، وفى أحسن الاحتمالات إلى نفس النقطة التى انتهت إليها المفاوضات السابقة ولن تتجاوزها.
2- إن خيار المقاومة المسلحة يعانى بدوره من أزمة خانقة، ولم يعد له، فى الظروف الراهنة، أن يمثل بديلاً متاحاً أو ممكناً، وقد أوضحنا ذلك بشىء من التفصيل فى مقال سابق (راجع «المصرى اليوم» 18/9/2009)، وكشفنا الدور الذى يلعبه الطرفان فتح وحماس فى حماية إسرائيل، ومنع أى عمليات تنطلق من الأراضى التى يسيطر عليها كل طرف فى الضفة كما فى غزة.
3- إنه علينا أن نحسم تقديرنا لمرور الوقت وما إذا كان ذلك يعمل لصالحنا أو لصالح إسرائيل.
4- ينبغى عدم الكف عن السعى للتأثير إيجابياً فى الموقف الأمريكى وتفادى وضع القضية الفلسطينية على أى مسار تصادمى مع أى من أطراف الرباعية الدولية، أى الاتحاد الأوروبى وروسيا الاتحادية والأمم المتحدة.
5- إعادة النظر فى جدوى استمرار السلطة الفلسطينية، التى كان مبرر وجودها الوحيد هو الترقى والانتقال بها إلى استحقاق الدولة المستقلة، فيما يؤدى استمرارها فى ظل انسداد أفق إقامة الدولة المستقلة إلى تكريس البقاء فى أسر الحكم الذاتى وإعفاء إسرائيل والمجتمع الدولى من مسؤولياته تجاه وضع الأراضى الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلى.
6- إن القرار الوطنى بحل السلطة لا يجُب المناورة به كتكتيك للمساومة، بل ينبغى اتخاذه بالتوافق مع الجامعة العربية والرباعية الدولية وفى إطار مشروع وطنى لتدويل المسألة الفلسطينية وإنهاء حالة الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة.
7- التوجه للسيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، للوفاء بالتزاماته الأساسية التى انشغل عنها بلعب دور رجل الاطفائية، وتذكيره بتصريحاته المسجلة التى أعلن فيها عن موت عملية السلام وتعهده بتحويل ملف القضية الفلسطينية برمتها إلى الأمم المتحدة، ورغم انقضاء خمس سنوات على هذه التصريحات، فإن السيد عمرو موسى لم يوضح لنا بعد الأسباب التى عطلت العمل بهذا القرار، كما لم يوضح لنا الغاية التى من أجلها قررت الجامعة فى حينها إحالة ملف المسألة الفلسطينية برمته إلى الأمم المتحدة، وما إذا كان ذلك لدعوة أعضائها للمشاركة فى حفل تأبين دولى لهذه القضية، أو لاستصدار قرارات جديدة لنصرتها، أو لإعادة التأكيد على ما صدر بشأنها من قرارات سابقة!
كانت بريطانيا كدولة انتداب على فلسطين قد يئست من تمرد الحركة الصهيونية عليها وفشلت فى التوصل إلى حل يوفق بين تعهدها بإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين وبين رفض العرب لهذا المشروع، ولهذا قررت بريطانيا فى 2 أبريل 1947 إدراج مسألة فلسطين على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وانتهى الأمر بهذه الإحالة إلى إصدار القرار 181 لتقسيم فلسطين، الذى أنشأت بمقتضاه دولة إسرائيل.
وانطلاقاً من التزامنا بالدفاع عما تبقى من دور لجامعة الدول العربية والحفاظ على المكانة الاعتبارية لأمينها العام، فإننا نتطلع إلى مبادرته التاريخية لقطع كل صلة للعرب بالعقلية السائدة التى تعاملت مع تسوية القضية الفلسطينية حتى الآن كسلعة فى سوق الموسكى أو فى بازارات الشرق، إن هذا الأمر متاح وممكن بالاستناد إلى تجديد قرار مجلس الجامعة لإحالة ملف القضية الفلسطينية للأمم المتحدة،
 ولكن هذه المرة ليس لإبراء الذمة وإنما لإعطاء هذا القرار مضموناً حقيقياً يدعو صراحة إلى حل السلطة الفلسطينية والتوافق مع المجتمع الدولى فى مؤتمر موسكو للسلام، المزمع عقده هذا الخريف، على تدويل هذه القضية وبلورة مشروع قرار يحدد بكل دقة حدود دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية، ويحيل المشروع لمجلس الأمن ليصدر به قراره ويسهر على تنفيذه بموجب البند السابع، ويضع الأراضى المحتلة تحت الوصايا الدولية لمدة أقصاها عامان تنتهى بإعلان الدولة الديمقراطية المستقلة، التى تحتل مكانها اللائق بها وسط الأمم المتحضرة، وليس على أرصفة الأسواق أو فتارين البازارات الشرقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.