تشكيل ومهام وإجراءات لجنة رصد مخالفات ضوابط الدعاية لانتخابات مجلس الشيوخ    التعليم العالي: 28 ألف طالب سجلوا لأداء اختبارات القدرات    مصر تتوقع انتهاء المراجعة 5 و6 لصندوق النقد سبتمبر أو أكتوبر المقبل    وزير البترول يؤكد على أهمية التكنولوجيا المتطورة لتحقيق نقلة نوعية بقطاع التعدين    «السياحة» تدرج أماكن صحراوية جديدة لجذب محبي المغامرة والطبيعة    خامنئي: مستعدون للدبلوماسية والقوة العسكرية في مواجهة الضغوط النووية    الرئيس العراقي يدعو إلى منع انزلاق المنطقة إلى مزيد من الصراع    بوريل: الاتحاد الأوروبي سمح باستمرار الإبادة الجماعية في غزة    بسبب تهريب 2 مليون لتر وقود.. إيران تحتجز ناقلة نفط أجنبية في خليج عمان (تفاصيل)    بيراميدز يبدأ الاستعداد للموسم الجديد غدًا    محمد إبراهيم يفوز برئاسة الاتحاد العربي لرياضة الفنون القتالية المختلطة «MMA»    تقارير: راشفورد يدخل دائرة اهتمامات ليفربول    ماذا قال مودريتش بعد انضمامه إلى إي سي ميلان؟    شرط ليفربول لبيع دياز ل بايرن ميونخ    عصى وحجارة بسبب الجيرة.. الأمن يضبط طرفي مشاجرة عنيفة في الشرقية بعد تداول فيديو الواقعة    تموين دمياط: خطة شاملة لضبط الأسواق وتأمين غذاء المواطنين    النيابة تستعجل تقرير «الحماية المدنية» حول حريق «حضانات السيارات» بالإسكندرية (تفاصيل)    مدمن يقتل زوجته الحامل لرفضها تعاطيه المخدرات في المعادي    أوقاف السويس تنظم ندوة بعنوان نعمة الماء وحرمة التعدي عليها    كوميديا ودراما اجتماعية.. "ريستارت" يحصد 91 مليون جنيه منذ عرضه    بدء عرض فيلم الشاطر بسينما الشعب في 6 محافظات    لميس الحديدي بعد انتهاء تعاقدها مع المتحدة: فخورة بما قدمت.. وإلى تجربة إعلامية جديدة قريبا    شروط التقديم لمدارس التمريض 2025.. التنسيق وأماكن الدراسة والرابط    منصة جديدة وفرص تدريبية واعدة.. الصحة تعيد رسم خريطة السياحة العلاجية وطب الأسنان    صحة المنيا: الولادة القيصرية خطر يهدد الأمهات.. ودعم الطبيعية محور ندوة علمية موسعة    انطلاق المرحلة 3 من 100 يوم صحة بشمال سيناء.. المحافظ: أولوية قصوى للرعاية الطبية الشاملة    ضبط 126.9 آلف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    «الإسكان» تنفذ حملات إزالة لمخالفات بناء وإشغالات بعدد من المدن الجديدة    حكومة غزة: "مؤسسة غزة الإنسانية" أداة استخباراتية خطيرة    دعوة مصرية.. واستجابة صينية    أكاديمية الشرطة تستضيف دورتين تدريبيتين بالتعاون مع الصليب الأحمر    مد غلق طريق الدائرى الإقليمى حتى 1 أغسطس فى هذه الأماكن    "رحمة" تلحق بأشقائها الأربعة.. تسلسل زمني لمأساة هزت المنيا    "فيديو مفبرك".. حيلة سائق لابتزاز شرطي والهروب من مخالفة بالجيزة    المرور: غلق كُلي بمدخل الشروق 1 لمدة 14 يومًا بسبب أعمال تطوير    وزارة الصحة تنظم دورة تدريبية للكوادر المالية والإدارية    وزير الري يناقش السيناريوهات المختلفة لإدارة المياه في مصر    تحفيظ وتهذيب وتوعية.. مساجد جنوب سيناء تُحيي رسالتها الروحية    ناصر عبد الرحمن يقدم ورشة كتابة السيناريو بمهرجان بورسعيد السينمائي    منير وتامر حسني يحتفلان بطرح "الذوق العالي" بحضور بنات محمد رحيم    صناع مسلسل "فات الميعاد" ضيوف برنامج "هذا الصباح" غدًا على شاشة إكسترا نيوز    العلم .. والقدرة    صراع خليجى على نجوم الأهلى    لاعب الزمالك السابق: زيزو كان يحب النادي.. وكيف يفرط الأهلي في قندوسي؟    وزير الإسكان يلتقي المدير الإقليمي لمجموعة معارض ومؤتمرات "سيتي سكيب" لبحث التعاون المشترك    موعد المولد النبوي الشريف والإجازات المتبقية في 2025    بعد 12 عامًا.. خلفان مبارك يغادر الجزيرة الإماراتي    إنقاذ مصاب من موت محقق بعد تعرضه للدغة أفعى سامة بمستشفى أجا المركزي    «عبد الغفار»: حملة «100 يوم صحة» تقدم خدمات مجانية عالية الجودة    بالتنسيق مع الأزهر.. الأوقاف تعقد 1544 ندوة بشأن الحد من المخالفات المرورية    اعرف حظك اليوم.. وتوقعات الأبراج    قصور الثقافة تواصل برنامج "مصر جميلة" بورش تراثية وفنية في شمال سيناء    موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    قتلى ومصابون جراء قصف روسي على عدة مناطق في أوكرانيا    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين وبقضائك راضين    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 16 يوليو 2025    ما حكم اتفاق الزوجين على تأخير الإنجاب؟.. الإفتاء تجيب    انتهك قانون الإعاقة، الحكومة الإسبانية تفتح تحقيقا عاجلا في احتفالية لامين يامال مع الأقزام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اصطباحة
نشر في المصري اليوم يوم 23 - 09 - 2009

نكون غارقين فى الوهم إلى الأذقان لو تصورنا أن الله سبحانه وتعالى سيكافئنا على ترديدنا الببغائى لآياته الكريمات دون فهم أو تدبر أو عمل، وأنه عن قريب سنصعب عليه فيرأف بحالنا وينزل علينا مائدة من السماء مليئة بمنجزات تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا.
نخطئ كثيرا لو نسينا أن للتغيير أسبابا وسننا وقواعد لن يغيرها الله لأجل خاطر عيوننا خصيصا، حتى لو كنا نعتقد أننا نستحق ذلك لأسباب غير مفهومة تختلف من شخص لآخر. هكذا قلت لنفسى بعد أن قرأت الرسالة الثانية التى أرسلها إلىّ الأستاذ أحمد عبدربه بعد أن طلبت منه مثقلا عليه أن يلخص لى فى أقل عدد ممكن من الكلمات تحليله للشعب اليابانى بعد ست سنوات من معايشته له،
فأرسل إلىّ هذه الرسالة البديعة الكاشفة التى لا أتمنى فقط أن تقرأها وحدك بل أتمنى مخلصا وأتوسل إليك أن تقرأها لأولادك وأهلك وجيرانك وكل من استطعت إليه سبيلا، لعل وعسى.
«ما الذى يخطر ببالك حينما يُذكر اسم الدولة اليابانية أو المواطن اليابانى؟! قد تتبادر إلى ذهنك فورا صورة المواطن اليابانى الذى لا يكل ولا يمل من العمل لدرجة أنه يكره الإجازة، بل وقد يطلب ساعات عمل إضافى بلا كلل أو ملل ولا حتى انتظار للأجر الإضافى!
وقد تستدعى ذاكرتك أيضا ذلك الخبر الذى أُذيع ذات مرة فى نشرة التاسعة على القناة الأولى للتليفزيون المصرى فى أحد أيام تسعينيات القرن الماضى عن أن طالبا يابانيا قد قُيِّد فى الجامعة لدراسة الهندسة وهو مازال فى سن الابتدائى وهو دليل على نبوغ اليابانيين وذكائهم الخارق! كل هذه الصور قد تستدعيها لتُهوِّن عليك ألم المقارنة بين مصر واليابان،
حيث بدأت الأخيرة نهضتها فى القرن التاسع عشر متأخرة عن نهضة محمد على بنحو ثلاثة عقود، بل وتعرضت للتدمير التام بالقنابل الذرية فى الحرب العالمية الثانية ومع ذلك فهى تتقدم عنا بنصف قرن على الأقل، (لا أكون مبالغا إذا قلت إن مصر فى مطلع الألفية الثالثة هى صورة لليابان فى مطلع خمسينيات القرن الماضى حيث الفقر والفوضى والجهل!)، مما يعنى أن كل تلك الصور الذهنية النمطية قد تهون عليك ألم المقارنة لأنها توحى بعبقرية وتفرد هذا الشعب مما يعنى أن ما هم فيه الآن أمر طبيعى نظرا لتفردهم ولمعجزتهم وليس علينا لوم إذن!.
قبل 6 سنوات حينما حملتنى الطائرة إلى هذا البلد كى أكمل دراساتى العليا، كنت أحمل نفس هذه الصور الذهنية وغيرها الكثير والكثير، كنت أعتقد أنى سأقابل مواطنين عباقرة محبين للعمل، وسيدات يابانيات مطيعات لا يخرجن أبدا عن طاعة أزواجهن، كما صور لنا المسلسل الأشهر (أوشين)!.
مرت شهور قليلة حتى بدأت اكتشف أن الأمر ليس كذلك! فمن قابلتهم وتعاملت معهم يشتكون من ضغط العمل وقلة الإجازات وعدم ملاءمة (الأوفر تايم) لعدد ساعات العمل!
من تعاملت معهم ليسوا بهذا القدر الهائل من الذكاء بل لا أكون مبالغا إن قلت إن المواطن اليابانى إذا تعاملت معه فقد يبدو ساذجا فى بعض الأحيان أو لنقل محدود الذكاء!،
كما أن الفتيات اليابانيات يتمتعن بقدر كبير من التمرد!. كان الأمر مفاجئا لى وجعلنى فى حيرة أكبر، كيف إذن لهذه الدولة أن تحظى بكل هذا التقدم والرقى؟!،
مرت 6 سنوات وفى كل سنة كنت أحاول أن أنغمس أكثر فى حياة المواطن اليابانى العادى كى أكتشف أسرار هذا التقدم بعيدا عن الصور النمطية التى تقدمها الكتب والمسلسلات!،
وفى السطور القليلة المقبلة أقدم اليك ما توصلت إليه. فى الواقع إن أحد أهم أسباب تميز اليابانى هو الاعتزاز والفخر بالعمل الذى يقدمه أياً كان، إن المعلم ومنسق الزهور والنقاش والفران والزبال لا يشعرون بأى حرج من عملهم، بل على العكس الكل يفتخر بعمله ويتفنن فى إنجازه على أتم وجه، وفى المقابل يحترم المجتمع الجميع،
ففى أرقى (المولات) والسينمات والمطاعم ليس غريبا ولا مستغربا أن ترى مواطنا بزى المحارة أو البناء أو المجارى يتجول ويأكل ويشرب ويُعامل تماما مثلما يُعامل أرقى وأشيك من يرتاد هذه الأماكن،
يتمتع اليابانى أيضا بقدرة هائلة على العمل الجماعى، فاليابانى يعيش طيلة عمره فى جماعات، فهو عضو فى جماعة للرياضة التى يمارسها والهواية التى يحرص عليها، فضلا عن كونه لا يعمل فى شركة أو مصنع أو جامعة إلا بنظام (التيم وورك).
يتميز المواطن اليابانى أيضا بقدر عالٍ من التضحية، سألت إحدى زميلاتى اليابانيات عن السبب الأول للتقدم اليابانى، فقالت بلا تردد إن السبب هو أن الجيل الذى عاش شبابه فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى ضحى بكل شىء من أجل الأجيال الجديدة،
فقد عمل فى ظروف عمل قاسية وبمقابل زهيد ودون التمتع بخدمات الدولة الصحية والتعليمية، وهو يعلم أنه لن يعيش كثيرا ليتمتع بكل هذا، هو فقط وجد مشروعا جادا من الحكومة للنهضة بالمجتمع فقبل بالتضحية. يتمتع المواطن اليابانى أيضا بالأدب الجم ففى خلال 6 سنوات قضيتها فى هذا البلد لم أر أى مشاجرة أو سباب متبادل أو حتى لم أسمع صوتا عاليا، الكل يتعامل بأدب وذوق ولياقة ولباقة، يتميز اليابانى أيضا باهتمام كبير بالمشاعر الإنسانية،
فى اليابان يعاملون الإنسان كبشر له مميزات وعيوب وأخطاء، ولا يدفعونه دفعا كى يتظاهر بالملائكية التى ينشدها المجتمع فيقع فى شرك النفاق، فهم يحرصون كثيرا على سماع الموسيقى وقراءة الأدب والاهتمام بالطبيعة والتمتع بها. والحرص على مشاعر الآخرين وعما إذا كانوا سعداء أم لا،
أمر فى منتهى الأهمية هنا، لا تستغرب إذا خرجت مع فوج يابانى فى رحلة بالحافلة ووجدت المرشد يشرح لك بالتفصيل كم مرة ستمر على مراحيض عامة لقضاء حاجتك! فليس فى الأمر أى إحراج لأنها حاجة طبيعية يقدرها المجتمع ويهتم بها، ولا يعنى كل هذا أبدا أن المواطن اليابانى ليست لديه عيوب، نعم يعانى المواطن اليابانى من الفراغ الروحى والوحدة وهى الأمور التى تدفع الكثيرين للانتحار بسبب ضغوط العمل أو الدراسة،
وربما لهذا تحديدا أقول لك إن سبب التقدم اليابانى ليس فى كونه شعبا عبقريا أو مثاليا كما نحب أن نتصور لكى نريح أنفسنا، بل لأن هناك دولة وضعت مشروعا جادا للاستثمار فى البشر وللبشر».
انتهت سطور الأستاذ أحمد عبدربه البديعة الكاشفة، ويبقى أن أقول إن المواطن المصرى لن يصبح كأخيه اليابانى إلا عندما يحكمه أناس كالذين يحكمون أخاه اليابانى، وهؤلاء كما تعلم لا يهبطون من السماء، بل يموت أهل الأرض من أجلهم على أبواب لجان الانتخابات.
«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، آية أُنزلت علينا، لكن اليابانيين هم الذين عملوا بها.
* يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.