يقول اللَّه سبحانه وتعالي: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو كن كثير" "الشوري: 30". يظن بعض الذين أصابهم مكروه جلبوه علي أنفسهم أن كل شيء يقع عليهم من مصائب هي أقدار لا دخل لهم فيها. فكل شيء بيد القهار وتراهم في غيهم سائرين فيفعلون الموبقات ويجاهرون بالسيئات. ويرتكبون المنكرات. وإذا أردت أن تدعوهم إلي العودة إلي رحاب ربهم ومبادئ دينهم. قال لك أحدهم: يا رجل كل شيء بقدر وربنا يهدي. هؤلاء أسري نفوسهم الأمارة بالسوء. عبيد شهواتهم ظانين أن ما يفعلونه ما هو إلا واقع عليهم دون اختيارهم وما هم فيه من مصائب من اللَّه. وإذا ذكرتهم بالآية الكريمة: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" يقولون لك: وهل الإنسان يريد لنفسه التعاسة. ماذا أنا فاعل؟.. وهاعمل إيه؟.. هذا حكم ربك. وكأن اللَّه حاشا اختار لهم البلاوي وكتب عليهم اللهاوي.. هذه الأفكار التي تعشش في عقول المتفلتين من عدم الأخذ بالأسباب والعمل علي رفع ما بهم من مصائب جلبوها لأنفسهم وغرائب فعلوها في حياتهم. وعجائب طبقوها في علاقاتهم بالناس حتي وصل بهم الحال إلي تدمير كيانهم النفسي والأسري وأصبحوا في غياهب المعصية. وهم يتمسحون في القضاء والقدر. وهم أبعد الناس عن مفهوم "القضاء والقدر" فهم لا يفرقون بين المصيبة والقضاء والقدر. فمن رضي بقضاء اللَّه وسلم بما قدره وأجراه عليه. زاده اللَّه إيماناً وثباتاً وأبدله بما ضايقه أو أهمه وأغمه نعمة وفضلاً وسعة وفرجاً. أما من أصاب نفسه بمصيبة فينبغي عليه أن يبحث في أسبابها لأن في الكون سننا تتفاعل مع الإنسان إذا أحسن التعامل معها وأخضعها لإرادته وهي تحتاج إلي إعمال العقل والتدبر في آيات اللَّه في كونه المنظور. إذن أنت أيها الإنسان مطلوب منك أن تخضع السنن الكونية لإرادتك وتتوكل علي موجدها لأنه تبارك وتعالي سخرها لإرادتك في كونه "اللَّه الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفُلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار" "إبراهيم: 32-33". فالكون ملك لمشيئتك اخضعه لإرادتك وتدبر ما فيه بعقلك يعطيك ربك ما فيه من أسرار فهو القهار. إذن ما جلبته علي نفسك من مصائب فهو عائد إلي تفكيرك واستجابتك لوساوس الشيطان ومع ذلك فربك يغفر ويعفو عما اقترفته من ذنوب وإن كانت مثل الجبال. فهي تذوب ويغفرها علام الغيوب: "ويعفو عن كثير". ثم يؤكد لكم أيها الناس أن المصيبة من فعلكم: "وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون اللَّه من ولي ولا نصير" "الشوري: 31". فيا أيها الناس هل تظنون أنكم إذا فعلتم المصائب بأنفسكم وتعديتم علي غيركم تكبراً وتسلطاً تعجزون اللَّه سبحانه وتعالي أن يحل بكم غضبه علي ما اكتسبتموه من ذنوب وآثام؟!.. هل لكم من أحد ينصركم إلا هو. ليس لكم ولي ولا نصير يتولي أموركم وينصركم علي عدوكم غيره تبارك وتعالي. اللهم اجعل الكون خاضعا لنا بقدرتك وقوتك. واجعل ما فيه من جنود مسخرا لأمتك. واهزم أعداء دينك بجبروتك ورهبتك وكن مع حزبك فهم الغالبون وعبادك هم المفلحون. وأولياؤك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.