تجارب عديدة خاضها الكاتب السورى خالد خليفة، متنقلا بين الرواية والكتابة للسينما والتليفزيون إلى جانب كونه من الخمسة المرشحين العام الماضى لجائزة «بوكر» للرواية العربية، لكن فى «هدوء نسبى» تفجرت لديه شرارة تقديم العمل التليفزيونى الأول عن الحرب الأمريكية على العراق، وخاض تجربة مختلفة ومضيئة فى مشواره تحدث عنها ل«المصرى اليوم» فى هذا الحوار.. ■ كيف جاءت فكرة تقديمك لعمل عن الحرب الأمريكية على العراق؟ - كنت فى لقاء مع المخرج شوقى الماجرى الذى تربطنى به علاقة صداقة قوية، وأخبرنى برغبته فى تقديم عمل تليفزيونى ضخم، فطرحت عليه فكرة تقديم مسلسل عن الحرب الأمريكية على العراق وسقوط بغداد الذى كنت قد كتبت ملخصا له منذ عامين ونصف العام، فتحمس لها كثيرا، وعرضنا الفكرة على جهة الإنتاج التى تصدت لتقديمها، وحين انتهيت من السيناريو أعطيته للماجرى بعدما اتفقنا على كل شىء تقريبا، وكنا على اتصال دائم، ومع دوران الكاميرا فى أول يوم تصوير تركت كل شىء له، لأننى أعتقد أن الكاتب ليس له حق التدخل فى كل شىء. ■ هل أجرى الماجرى تعديلات على السيناريو؟ - أعتقد أن كل مخرج مسموح له أن يحذف ما يريد، لا أن يضيف شيئا إلى السيناريو، والمخرج شريك طبعا فى العمل، وقد كان نقاشى والماجرى دائما فى محله، لكن بالنسبة لى تعد فكرة التعديلات مرفوضة تماما، فالنص لكاتبه، وجميع من عملت معهم من المخرجين احترموا نصوصى. ■ تقديم عمل عن الحرب على العراق ليس سهلا، فلماذا اخترت هذا الموضوع؟ - بالفعل.. هناك صعوبة كبيرة فى تناول العراق، خاصة مع وجود إشكال كبير فى العراق حاليا، وتقديم عمل عن ذلك بمثابة دخول حقل ألغام، سواء فيما يخص داخل العراق أو خارجها فى أى من دول العالم العربى، ولذلك فقد ضبطنا «بوصلة» المسلسل لنكون مع الناس وضد الاحتلال، وهذا كان اتفاقى مع الماجرى منذ البداية سواء فى تناول أحداث ما قبل الحرب أو أثناءها أو بعدها. ■ ولماذا حرصت على الحياد وعدم الانحياز لأى من أطراف الصراع؟ - أن نكون مع الناس أى أن نكون فى الأمان، خاصة بالنسبة للكتاب مثلى، ونحن لا نقدم وجهة نظر الأمريكيين، خاصة أن كثيراً منهم اعترضوا على الحرب منذ البدايات، لكن تم التعتيم عليهم إعلاميا، كما أننا لا نقدم أعمالا توجيهية، بل نوجه تحية للصحفيين شهداء الرأى من زملائنا وأصدقائنا الذين قدموا تضحيات كبيرة، حيث أثبت الصحفى العربى اليوم أنه قادر على نقل الحقائق بعكس الوكالات الأجنبية التى تكون أحيانا معبرة عن الأطراف الأجنبية المالكة لها. ■ ولماذا اخترت المراسلين لتقديم الحرب على العراق من خلالهم؟ - قصدت أن أظهر أن الإعلام العربى فى هذه الحرب هو إعلام مهنى، وبذل جهدا كبيرا وهائلا، بل إن المراسلين هم أكثر فئة بذلت جهدا إلى جانب العراقيين فى الحرب، كما استشهد عدد كبير من العاملين فى العراق من كل الجنسيات. ■ هل جلست عن قرب مع بعض المراسلين لكتابة السيناريو؟ - طوال سنوات الحرب على العراق وقبلها أيضا وأنا متابع للمراسلين، كما أننى زرت بغداد قبل الحرب، وأيضا سألت أصدقاء لى لأقدم تصورا عن كيفية معيشة الصحفيين فى الحروب، خاصة فى العراق، كما استعنت بمتخصصين من جنسيات أخرى لأعرف الأمر لديهم، فكونى سورياً يجعلنى على دراية بالسوريين، ولكننى كنت أحتاج لمعرفة الأمر لدى المصريين والعراقيين وغيرهم. ■ هل تعمدت البعد عن الأسلوب الوثائقى فى تناولك للحرب؟ - بالفعل.. مشكلة العراق هزت كل العرب، وقد كنت حريصا على تقديم ما حدث فى شكل درامى، ومهمة الكاتب أن يقدم النص دراميا، لأن الخيال أساس فى هذا البناء والموضوع صعب ويحتاج إلى شجاعة، والتوثيق مجاله مكان آخر وليس هذا العمل الذى أعتبره يتناول جزءا من مشاكلنا، فنحن لسنا بعيدين عن الحدث العراقى، بل معنيون به كحدث عربى داخلى. ■ جاء مشهد سقوط بغداد مؤثرا جدا.. فكيف عملت عليه؟ - لخص المشهد ما حدث فى بغداد، وهذا المشهد أعتبره حقا «ماستر سين» المسلسل، كما أن به مشاهد كثيرة هزتنى خاصة الأداء التمثيلى والإخراج الرائع، وما ساعد على خروجه بهذا الشكل هو المساعدات الكبيرة التى تلقيناها من الحكومة السورية التى وضعت تحت تصرفنا متحف «تدمر»، وصوّر المشهد فى قاعة كاملة به. ■ لماذا اخترت مشهد سقوط بغداد لأن يكون فى الحلقة الحادية عشرة تحديدا؟ - لقد كتبت القصة وفقا لشرح الشخصيات والتعرف عليها فى القاهرة والعراق وغيرهما، ولم نحدد هذه الحلقة بالذات، بل جاء سقوط بغداد وفقا لشرح الأحداث التى تسبقه، وأعتقد أن ما سبقه وما تلاه كان فيه كل ما يمكن أن يقال. ■ ولماذا كتبت مشهد «قص الضفائر» للفتاة العراقية؟ - هذا من المشاهد المحببة لى، ودائما أكتب المشاهد بتفاصيل انسانية، وفى التليفزيون قد يكتب مشهد عظيم ويخرج بشكل سيئ، لكن الحمد لله أن ما كتبته أُخرج كما هو بل بشكل أفضل، ومنذ كتابة أولى حلقات العمل وأنا أشعر أنه سيكون الأفضل، ولم أقدم طوال مشوارى عملا مثله، كما أن هذا العمل حمل أكبر قدر من العوامل المذيبة لكل الفوارق العربية، وسبب نجاحه أنه إنسانى وفيه تعاون كبير، وحتى الأمريكيون الذين عملوا معنا كانوا ضد الحرب ومع قضايا العراق. ■ لكنك لم تستعرض ممارسات حكومة صدام حسين؟ - لأننا لسنا معنيين بالأشخاص، بل معنيون بالناس والمواطنين، فلو كتبت عن الفساد وممارساته، ليس بالضرورة الحديث عن الأشخاص الفاسدين. ■ هل تخوفت من تناوله خاصة مع التعاطف العربى معه بعد إعدامه؟ - إطلاقا.. فالابتعاد عن تناول شىء ليس معناه الخوف منه، بل لأننا نقدم عملا دراميا وليس توثيقيا.