فى ولاية «سكسونيا» الألمانية كان لنا لقاء مع واحد من أعضاء البرلمان فيها عن الحزب الاشتراكى الديمقراطى الذى يحكم ألمانيا، الآن، بالتحالف مع الحزب المسيحى الديمقراطى بقيادة أنجيلا ميركل. اللقاء كان فى مدينة «ليبزيج» التى تبعد عن برلين العاصمة 250 كيلومتراً، وفى آخر لحظات اللقاء، سأل عضو البرلمان فجأة: ماذا سمعتم عن سكسونيا من قبل؟! فقلت بسرعة: هى الولاية التى تشتهر بين المصريين حالياً، بأنها شهدت مصرع الدكتورة مروة الشربينى على يد ألمانى متطرف من أصل روسى! تراجع الرجل فى كرسيه منزعجاً، وقد ظهرت علامات الانقباض على وجهه، ولسان حاله يريد أن يقول: إن الولاية فيها الكثير الذى يمكن أن تشتهر به بخلاف جريمة القتل التى لا يمكن قطعاً أن تكون موضع رضا بين الألمان! كنا على بعد كيلومترات من مدينة «دريسدن» التى كانت مسرحاً للجريمة، وكنا مجموعة من أحزاب: الوطنى، الوفد، التجمع، ثم الإصلاح والتنمية تحت التأسيس. بعدها بدقائق تبين لنا سر انزعاج الرجل من إجابتى، فقد كنا على مسافة أمتار من متحف هائل للموسيقار «باخ» وكان السياح يتسابقون لالتقاط صورة مع التمثال الذى يقف شامخاً أمام المتحف، وكان عضو برلمان الولاية يريد أن يقول، حين انزعج من الإجابة، إن سكسونيا التى أنجبت موسيقاراً بهذا الحجم فى تاريخ الفن، يستحيل أن تبارك إراقة دم برىء! وسألته: كيف يمكن للناخب الألمانى أن يحاسب الأحزاب على عدم الوفاء ببرامجها الانتخابية، حين تحكم، ثم لا تطبق ما وعدت به الناس؟ ضحك الرجل فى محاولة لنسيان أجواء الكلام عن جريمة مروة الشربينى، وقال إن تجربة الحزب الاشتراكى الذى ينتمى هو إليه، فيها إجابة شافية وقاسية على سؤالى.. فقد تحالف الحزب مع المسيحى الديمقراطى عام 2005، وخاض الحزبان تجربة الحكم، منذ ذلك التاريخ، إلى اليوم، وكان الحزب الاشتراكى قد وعد، قبل أن يتحالف ويحكم، بأنه لن يوافق - إذا حكم - على زيادة الضرائب بأى نسبة، فى وقت كانت فيه المستشارة ميركل قد صرحت بأنها سوف ترفع ضرائب محددة بنسب معينة، وعندما تولى الحزبان الحكم، طبقت ميركل ما كانت قد قالت إنها سوف تفعله، ورفعت الضرائب فعلاً، وكانت النتيجة أن الحزب الاشتراكى، أصبح مسؤولاً أمام الناخبين عن سياسة ضرائبية لم يعلن عنها، بل إنه كان قد وعد بعكسها! وحين جرى استطلاع أخير، كانت شعبيته بين ناخبيه فى القاع، وكان هذا هو أشد عقاب يلقاه الحزب على أنه لم يكن أميناً مع جماهيره! وبعد عام من الآن، سوف يكون الحزب الوطنى أمام اختبار مماثل، فيما يخص برنامج الرئيس الانتخابى، ولن يشفع للحزب وقتها أن يقول إنه طبق البرنامج، وإنما أن يشعر المواطن بحدود التطبيق فى حياته الممتلئة بشتى ألوان المعاناة!