الذهاب إلى ألمانيا، وهى على مشارف انتخابات البرلمان فيها يوم 27 الحالى، فرصة لنتأمل معاً ملامح الصورة العامة فى هذا البلد، الذى كان إلى عام 1989 يتكون من دولتين: واحدة شرقية وأخرى غربية، ثم أصبح منذ ذلك التاريخ بلداً واحداً، مساحته نصف مساحة مصر، وعدد سكانه فى مثل عددنا، ويصل إجمالى أعضاء البرلمان إلى 598 يمثلون 16 ولاية، وبسبب النظام الانتخابى المعقد جداً عندهم، الذى يوصف بأنه «نسبى مشخص»، يصل عدد النواب حالياً إلى 612. ثلث السكان كاثوليكى، والثلث بروتستانتى، والثلث الأخير لا دينى، وعدد المسلمين 2.5 مليون، أغلبهم من الأتراك، وينقسم البلد إلى 299 دائرة انتخابية، منها 10 فى برلين العاصمة وحدها! نظام الحكم برلمانى، بمعنى أن رئيس الجمهورية منصبه شرفى، وتبقى السلطة الحقيقية فى يد المستشار الألمانى الذى يماثل رئيس الوزراء فى الهند، أو تركيا، أو إسرائيل، على سبيل المثال، وتشغل موقع المستشار حالياً السيدة «أنجيلا ميركل» التى جاءت من ألمانياالشرقية، ووصلت إلى أعلى موقع فى البلاد، بما يكاد يذكرنا بتجربة أوباما فى الولاياتالمتحدة.. وهى تقود الحزب المسيحى الديمقراطى، الذى يشكل الحكومة الآن بالتحالف مع الحزب الاشتراكى الديمقراطى، وهما الحزبان الأكبر فى ألمانيا، مع أربعة أحزاب أخرى أصغر هى: الليبرالى، الخضر، المسيحى الاجتماعى، ثم اليسار! وتقول آخر استطلاعات الرأى إن شعبية ميركل تصل إلى حوالى 70٪، على عكس حزبها الذى تصل شعبيته إلى 35٪ تقريباً، وتبدو السيدة المستشارة، من خلال صورها فى الشوارع، وحركتها القليلة قبيل الانتخابات، وكلامها الأقل فى الإعلام، وكأنها واثقة تماماً من الفوز بعد ثلاثة أسابيع من اليوم! سألتُ عن تفسير لهذا الفارق بين شعبيتها وشعبية الحزب، فقيل إن هذا يعود إلى جاذبيتها الشخصية، ثم إلى أنها لم ترتكب أخطاء كبيرة طوال 4 سنوات فى الحكم من 2005، ولم تدخل فى صراعات الوزراء والحكومة إجمالاً، وكانت تضع نفسها فوق مثل هذه المعارك دائماً، بما جعلها تبدو «كبيرة» فى نظر الناخبين الألمان، وجعل الرهان عليها هى، وليس على الحزب الذى تنتمى إليه، ولا على الحزب المتحالف معها، ولا على سائر الأحزاب التى تتراجع ثقة الناس فيها بشكل ملحوظ! السيدة «هيرتا دويبلر»، رئيس لجنة حقوق الإنسان فى البرلمان، وكانت وزيرة للعدل، ولكنها استقالت بعد أن قامت عليها ضجة هائلة لأنها وصفت «بوش» بأنه نازى، وهى سيدة توصف بأنها بمائة رجل لأنها خاضت 50 معركة انتخابية على مدى 37 عاماً، ثم قررت الاعتزال مع نهاية البرلمان الحالى لتستمتع بأحفادها الخمسة، وفى لقاء معها سألتها عن تفسيرها لهذا الفارق فى الشعبية بين «أنجيلا» وحزبها، فضحكت، وقالت إنها فزورة ألمانية، وقالت إن الحزبين الحاكمين يراهنان على ضعف ذاكرة الناس، لأنهما لم ينفذا برنامجيهما الانتخابيين، كما وعدا بهما، قبل 4 سنوات، ومع ذلك يطمحان فى ثقة الناخب!.. بما يجعلنا نحن نتساءل: هل هذا هو رهان الحزب الوطنى أيضاً؟!