يوم عادى جدا.. لم يعد يمثل فيه الرقم شيئاً مهماً فى مخيلة الكثير من المصريين، ربما لأن أرقام مصاريف المدارس القادمة وكعك العيد والرصيد المتبقى من عزائم رمضان سيطرت على الجزء الأكبر من التفكير المصرى، يرددون دائما أن الأيام «بقت شبه بعضها»، وهو ما ستدركه عندما تتذكر أن الأمس كان التاسع من سبتمبر عام 2009، ففى الساعة التاسعة صباحا اصطف رقم 9 فى تاريخ اليوم بصورة لن تتكرر إلا بعد 90 عاما بالتمام والكمال، والتى ربما لن يدركها أى شخص ممن عاشوا هذا اليوم فى مصر - للأسف - بطريقة عادية. فى التاسعة صباحا يقف قطار المترو المتجه إلى حلوان فى محطة سراى القبة، يترجل منه عدد قليل من الركاب، بينما يتكدس عدد أكبر داخل القطار مكملين الرحلة نحو أعمالهم التى بدأ بعضها بالفعل فى التاسعة صباحا، والبعض الآخر لايزال أمامه ساعة كاملة للوصول إلى عمله، لكن الأمر كان أكثر عشوائية على رصيف محطة القطار بمحافظة الإسماعيلية، ففى الوقت الذى أشارت فيه ساعة المحطة بصورة خاطئة إلى أن الساعة لاتزال السابعة صباحا، تعامل الركاب مع المحطة بالمستوى نفسه، ضاربين بإعلانات وزارة النقل التى يقول فيها «المواطن اللى على حق يقول للغلط لأ» عرض الحائط، ومن الجهة المعاكسة قفز أمين شرطة ليلحق بالقطار القادم من الزقازيق ومتجها إلى بورسعيد. أمين شرطة آخر أمام الباب الرئيسى لجامعة القاهرة، رغم هدوء المكان الذى لم يشهد تواجداً طلابياً بعد، حيث انشغل سائقا ميكروباصين بشجار تسبب فى توقف الشارع عدة دقائق حتى تدخل أمين الشرطة الذى سحب رخصهما، بعدها حاول امتصاص احتجاج آلات التنبيه التى أطلقها سائقو السيارات المتضررة من ذلك الشجار، وعلى العكس كان الوضع بالنسبة لأمين الشرطة الذى جلس فى شارع محمد على بمحافظة بورسعيد يقرأ فى مصحفه، مستثمرا أن الشارع – الذى يعتبر أحد الشوارع الرئيسية بالمحافظة - لم يشهد أى ازدحام فى تلك الساعة. فى التاسعة صباحا لم يتغير شىء فى حياة المواطنين المتجهين إلى المهندسين، ففى الوقت الذى تمنى فيه سائقو آلاف السيارات - التى ازدحمت على المحور لعدة كيلو مترات - الخروج من هذا الزحام أو بلوغ كوبرى ميدان لبنان على الأقل، تمنى العشرات من الشباب الخروج أبعد من حدود مصر بأكملها، والبحث عن فرصة جديدة للعمل والحياة معا، حيث وقف بعض أهالى المنصورة أمام قسم تصاريح العمل بمديرية أمن الدقهلية فى انتظار تصريح للعمل خارج مصر. فى التاسعة صباحا وبالتحديد فى وراق العرب، وقف نحو 14 عاملا يفرشون امتداد شارع ترعة السواحل بالأسفلت، بعد أن تهالك الأسفلت السابق، بينما انهمك جرار فى حمل الردم والقمامة الموجودة فى منطقة التبة بمدينة نصر، ووضعها فى صندوق قمامة معدنى ممتلئ على آخره ولم يتم تفريغه منذ أيام، فسقطت أكياس القمامة والردم خارج الصندوق المعدنى، دون أن تحقق مهمة الجرار أى فائدة، ووسط الغبار ورائحة القمامة، التصق بائع للخضراوات بصندوق القمامة المعدنى، وانشغل فى إعداد خضراواته استعدادا لاستقبال الزبائن. فى التاسعة صباحا، جلس رجل وامرأة على كورنيش الإسكندرية ينعمان بهدوء المحافظة بعد رحيل المصطافين، ويحاولان اصطياد السمك فى هذا الوقت الذى يعد متأخرا بالنسبة لعملية الصيد، ينويان طهو الأسماك على الإفطار، يحتمى هو من الشمس بقبعة صيد وهى بإيشارب قديم، يطيلان النظر إلى البحر الهادئ، الذى لم يختلف هدوؤه عن ميناء البحر الأحمر بمحافظة السويس، الذى شهد حركة روتينية عادية. فى التاسعة صباحا، لم يتغير شىء، ظلت السيارات مكتظة فى شارع قصر العينى تحاول الوصول إلى ميدان التحرير، ويتزاحم عدد أكبر أمام مجمع التحرير، يفكر سائق السيارة والمترجل فى الأمور الحياتية اليومية، ويحاولان أن ينجزاها، يتوقف كلاهما أحيانا، ينظران فى الساعة .. كل ما يعنيهما الوقت المتبقى للذهاب للعمل أو العودة إلى المنزل أو موعد أذان المغرب، ينظران فى الساعة كثيرا لكنهما نادرا ما يدركان أنها التاسعة من يوم 9 من شهر 9 من عام 2009.