أنا شخصيًا قررت أن أقاضى محافظ الجيزة على اعتبار أن راتبه ومصاريف الأبهة التى يتمتع بها من الضرائب التى تستقطعها الحكومة من قوت أولادى.. من حقى على المحافظ أن أسكن فى مكان نظيف لا أغوص فى أكوام الزبالة التى تغطى شوارعنا، ومن حقى وحق كل مواطن أن يحاسب المحافظ على كل تقصير لأن وظيفته ليست للمنجهة أو للاستقبالات الرسمية فقد جاء إلى موقعه وهو يحمل توصية الحاكم «كن فى خدمة الشارع المصرى.. انزل إلى الجماهير.. تعرف على مشاكلهم» يوم أن حلف اليمين، ويومها أحنى رأسه وهو يتراجع إلى الخلف ويقول حاضر يا أفندم.. الرئيس مبارك اختار معاونيه ليكونوا فى خدمة مواطنيه، يطالبهم دائمًا بأن يكونوا عنوانًا له، أعطاهم صلاحيات رئيس الجمهورية بعضهم استخدمها «صح» والبعض تراجع خوفًا من المواجهة، فصاحبنا محافظ الجيزة الهمام لأنه يعرف ضعف إمكانياته ولأنه بطبعه شخصية غير جماهيرية فقد التزم الصمت «وودن من طين وودن من عجين».. أمام ظاهرة الانفلات التى أغرقت شوارع الجيزة فى مستنقعات الزبالة.. ومهما علت الصراخات فهو لم يرد ولن يتكلم.. لذلك قررت أن أرفع دعوى أمام القضاء أطالب بعزله كحق من حقوقى كمواطن فأنا أريد محافظًا يحس بآلام الشارع المصرى لا يرفع يافطة «ممنوع عدم الإزعاج». لقد هالنى أن أسمع أن سعادة محافظ الجيزة قام بعرض فيلم وثائقى عن إنجازاته فى الجيزة على الرئيس حسنى مبارك أثناء افتتاحه لمحور المريوطية، قد صرخت الناس فى صوت واحد أى إنجازات حققها المحافظ حتى يعرضها على الرئيس وهو يعلم أن محافظته أسوأ محافظة فى محافظات مصر، هو شخصيًا يعرف أن الجواب بيتعرف من عنوانه.. وأن المحافظة النظيفة يجلس على كرسيها محافظ عشرة على عشرة، لكن الذى يدعو للأسف أن محافظة الجيزة تدهورت حضاريًا منذ مجىء المحافظ سيد عبدالعزيز شحاتة إليها، شوارع الأحياء الراقية الدقى والمهندسين والعجوزة تحولت إلى مقالب للزبالة.. ميدان مسجد محمود تحول إلى مغاسل لغسيل السيارات ليلاً.. فماذا تنتظر داخل الشوارع التى يسكنها الغلابة فى ميت عقبة وإمبابة وبولاق الدكرور، ولو أن المحافظ كلف خاطره ولو مرة بعد صلاة الجمعة بجولة سيرى العجب.. لكن للأسف فهو لا يعرف شيئًا غير ما يسمعه من صرخات ولعنات الناس، ربما تكون الحسنة الوحيدة التى قام بها لتصحيح صورته أمام الحزب، الحاكم أنه أشرف على نظافة منطقة العجوزة التى زارها جمال مبارك أملاً فى أن تتغير الصورة عنده كأمين عام مساعد الحزب وكأن جمال مبارك لا يعرف أن الجيزة غارقة فى الزبالة وأن حالها لا يسر وأن ما تنشره «المصرى اليوم» كل يوم من تقارير هو وثيقة إدانة فى حق المحافظ ومعاونيه.. إن موقف محافظ الجيزة الهمام يجعلنى أترحم على أيام الرجل العظيم الأستاذ الدكتور عبدالرحيم شحاتة، وزير الإدارة المحلية السابق فقد كان عكس أخينا وقت أن كان محافظًا للجيزة.. دكتور شحاتة كان معروفًا فى الشارع الجيزاوى بسبب جولاته الميدانية، فكان يشهد بنفسه مشاكل الصرف الصحى.. ويقتحم الشوارع المغلقة بسبب العشوائيات فى إمبابة لذلك كان محبوبًا.. أما عن يوم الجمعة فكان يخرج مع ابنه فى سيارته دون زفة حكومية وبعد صلاة الجمعة يطوف فى شوارع المحافظة ويسجل ملاحظاته وفى اليوم التالى يعطى أوامره ثم يتابع كل حالة بنفسه.. هذه هى مواصفات المحافظ الذى نريده للجيزة.. نريد محافظا لخدمة المواطن وليس لخدمة مظهره الوظيفى.. ويبدو أن قدر الجيزة أن يأتيها محافظ أغلق الباب على نفسه والزبالة فى الشوارع لا ترضى عدوًا ولا حبيبًا.. حتى أصبح الوضع يشكل جريمة بيئية لا تستحق السكوت، والجريمة الكبرى أن رؤساء الأحياء رفعوا تليفوناتهم من الخدمة وتركوا الشوارع تضرب تقلب وكل واحد منهم «مريّح» نفسه.. هم يعرفون حالة الشوارع وإذا سألتهم قالوا الأمر خرج من إيدينا لأن البيه المحافظ أعطانا تعليمات بالالتزام فى مكاتبنا لحين فك الاشتباك مع شركة النظافة الإيطالية. الغريب أن هذه الصور المحزنة كانت قبل الخلاف بين المحافظة والشركة الإيطالية.. ولا أعرف لماذا جاءوا بالطلاينة لتنظيف شوارعنا.. فى حين أن «الزبالين» من مصر.. واليافطة فقط من إيطاليا.. وحتى لا نحسد الزبالين على رواتبهم فقد يتصور البعض أنهم يتقاضون هذه الرواتب باليورو مع أنها ملاليم مصرية.. فراتب الزبال فى اليوم لا يزيد على عشرة جنيهات وكلهم يعملون باليومية لذلك ترى معظمهم وهم يفضلون التسول فى الشوارع لأن عائده أفضل من الراتب. وأذكر أننى كنت قد انتهيت من صلاة الجمعة والتقيت مع الصديق الأستاذ الدكتور فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى، والدكتور على الصعيدى، وزير الصناعة السابق، واللواء صلاح سلامة، محافظ كفر الشيخ السابق، وهم جيرانى فى السكن.. وقد استنجد بهم بعض السكان على اعتبار أن لكل منهم صوتًا مسموعًا عند الحكومة.. أطلعوهم على تلال الزبالة التى تحيط بإحدى الحدائق العامة فى الميدان القريب من الجامع وبدأنا كلنا نترحم على أيام المحافظين السابقين للجيزة وقت أن كانوا يترجلون فى زياراتهم الميدانية للشوارع.. الغريب أن عمال «الزبالة» كانوا يلتفون حول المصلين أثناء خروجهم وهم يمدون أيديهم لهم.. أما «مقشاتهم» فلا أعرف عنها شيئًا.. ويهمس فى أذنى واحد من السكان ويقول.. الجيزة لن ينصلح حالها إلا بمبادرة شجاعة من محافظها يطلب فيها إعفاءه بدلاً من أن ينتظر إعلانًا يطالب فيه بعزله بحكم قضائى.. إن هذه المبادرة ستكون فى ميزان حسناته حتى يعطى الفرصة لكفاءة تأتى إلى موقعه دون «كوسة». [email protected]