فى كل يوم من أيام هذا الشهر سوف تقرأ مقالة مستمدة من إسلاميات العقاد، طموحى من نشرها أكبر بكثير من توضيح معلومة أو زيادة علم أو نقل معرفة، طموحى الحقيقى أن يحدث لنا - مع نهاية الشهر الفضيل - انقلاب استراتيجى فى طريقة تفكيرنا، أن نميز بين جواهرنا الحقيقية والمزيفة. حسن الوجه، عذب الروح، حلو الشمائل، يجمع بين الرقة والسماحة، والجمال والحياء، نشأة العيش الخفيض صحبته من صباه إلى شيخوخته، فى غير تبعة ولا معصية. عثمان بن عفان، أول بنى أمية إسلاما، وأكملهم إيماناً، أسلم رغم المنافسة الضارية بين بنى أمية وبنى هاشم، فكان فضله فى إسلامه لا يدانيه فضل السابقين الذين لم يكن بينهم وبين الإسلام هذه العداوات، فكانت مكافأة السماء شرف مصاهرة الرسول الكريم، شهادة له بالرقة والمحبة وحسن المعاملة، تزوج السيدة رقية بنت محمد ثم هاجر بها إلى الحبشة فكانا أول المهاجرين، ثم هاجرا معاً ليلازما الرسول، متصلاً بالدعوة منذ بدايتها، لم يفته شىء من أعمال التأسيس، ثم مرضت زوجته رقية فانقطع للعناية بها، والمسلمون ذاهبون إلى بدر، حينما جاء البشير بأنباء النصر كان عثمان يدفن زوجته، وفاطمة تبكى على قبرها فاختلطت فرحة الرسول بالنصر بمرارة الفقد، وراح يواسى فاطمة وهو الأحق بالمواساة. كان حزن عثمان عظيماً لانقطاع المصاهرة بينه وبين الرسول، فلم يُر بعدها إلا مهموماً محزوناً، فرقّ له الرسول وزوجه أختها أم كلثوم، فأصبح ذا النورين. عثمان بن عفان، الذى جهّز جيش العسرة وحده، ومات الرسول وهو راض عنه، فى عهد أبى بكر كان من أقرب المقربين إليه، وعمل عمر بمشورته فى كثير من الأمور، ثم تولى عثمان الحكم حين وفاة عمر بعد أن تغير العهد، وسئم الناس شدة عمر، وحتى عمر نفسه رغم بأسه وقوته أحس ببوادر الاختلاف حتى قال فى دعائه: اللهم كبرت سنى، وضعفت قوتى، وانتشرت رعيتى، فاقبضنى إليك غير مضيع ولا مفرط. كانت هناك تغيرات تعمل أثرها فى المجتمع الإسلامى، فهناك الفتوح والثراء والوفرة، وتضخم الثروة بالتجارة والأنفال، وهناك السأم من بعض شدة عمر، وهناك السخط والتمرد، لأسباب بعضها مفترى، وبعضها حقيقى لكنه لا يبرر القتل. والذى لا شك فيه أن الدعوة النبوية رفعت مجتمعها إلى أوج لم تبلغه البشرية، لكن دوام القمة لا تقوى عليه النفوس البشرية، فالعقيدة لا تبطل الخلاف، وإنما المطلوب منها أن تحرك الهمم وترتفع بالنفوس، الأمر كان أكبر من أى أخطاء وقع فيها الخليفة بسبب شيخوخته أو أفعال أعوانه، وإنما هو الاضطراب السياسى الذى اقترن بأحوال فترة ما بين الخلافة والملك، كانت هناك مكاسب للرعية لا شك فيها، وحتى الفتنة انطوت رغم جرحها النازف على حق محاسبة الرعية للإمام ومحاسبة الإمام لنفسه، قبل الإسلام كانت شرعة الحكام طغياناً مطلقاً، فإذا بالفتنة تنطوى على انقلاب هائل، جاء الثوار ليحاسبوا الخليفة على كل صغيرة وكبيرة، ثم انفلت العيار بسبب مشاغبات الدهماء.