وافتروا عليه أيضاً فى النساء، وكأن تعدد زوجاته ينافى شمائل النبوة، متناسين أن جميع أنبياء العهد القديم - الذين يؤمنون بهم - عددوا الزوجات. يتجاهلون تلك الحقيقة الواضحة التى يدركها أى رجل محقق - مسلماً كان أو غير مسلم - حين يبحث فى تعدد زوجات الرسول: الاستسلام للشهوة آخر ما يمكن أن يقال عن رجل كمحمد، لم يله فى شبابه كعادة الفتيان، وتزوج من امرأة تكبره، فظل معها وحدها خمسة وعشرين عاماً، ما له من زوجة سواها، وحينما ماتت سمى هذا العام «عام الحزن» من فرط ما افتقدها. الرجل الذى ظل وفياً لذكرى زوجته العجوز، يفضلها فى قبرها على الصغيرة الناضرة، أيقال عنه إنه مستسلم للشهوات!! ولو كان مرامه لذات الحس لجمع تسعاً من الأبكار الجميلات فيسرعن إليه فخورات، لكنه لم يتزوج بكراً غير عائشة، بل كانت زوجاته من الثيبات والمطلقات والمسنات والمهاجرات حسب حاجاتهن من الإيواء الشريف واتصال الرحم بينه وبين سادات العرب لمصلحة الدعوة. هذا مع العلم أنه لا يعيب الرجل العظيم أن يحب المرأة ويشعر بمتعتها، فتلك فطرة الرجال كما خلقها الله. حب المرأة لا معابة فيه، إنما العيب أن يشغله هذا الحب عما يجب الاهتمام به، فهل يمكن أن يقال هذا عن محمد؟! وهل شغلته المرأة عن كبير أو صغير؟! الرجل الذى أوشك أن يطلق نساءه لأنهن طلبن المزيد من النفقة وهو لا يستطيعها، ولو شاء لأغرقهن فى الذهب والفضة. أيقال عن رجل اختار عيشة الفقراء، وفى وسعه أن يحيا كالملوك إنه استسلم لنزوات الحس؟! أيقال لرجل اختار الكفاف على إرضاء نسائه إنه غلبه حب النساء؟! لكن المشهرين به تعمدوا أن ينسوا طهره وعفافه، وطويه الليالى جائعاً، متعبداً وساجداً، باكياً وضارعاً، وتذكروا فقط عدد زوجاته. وتلك صورة إنسانية مؤثرة عن محمد الأب الذى قد طال اشتياقه للوليد المأمول، مات كل أبنائه فى حياته عدا فاطمة، وعيّره الشامتون أنه الأبتر لا عقب به. فى تلك الظروف جاءه البشير بحمل مارية القبطية. وولد إبراهيم، ترى ماذا دار بنفسه وهو يتلقى الوليد النفيس، الذى تخير له اسم جده الأعلى إبراهيم، ليكون له نفس الكرامة والامتداد. وفجأة مات الطفل الصغير، مات الأمل الكبير، ومحمد قد جاوز الستين، أى صدمة فى ختام العمر، ولم يعد فى الحياة ما ينتظر، وإنما يقاس الألم بمبلغ الأمل، وبقدر فرحة الاستقبال يكون حزن الوداع. يقف على قبره ذارف العينين، وحين فرغ من بكائه قال: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضى ربنا. وحين تكسف الشمس لا ينسيه الحزن أمانة الهداية: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته». أو تخسفان يا أشرف الخلق، ليس فى كبد السماء، وإنما فى أكباد المحزونين. عليك سلام الله أيها الصادق الأمين.