فى كل يوم من أيام هذا الشهر سوف تقرأ مقالة مستمدة من إسلاميات العقاد، طموحى من نشرها أكبر بكثير من توضيح معلومة أو زيادة علم أو نقل معرفة، طموحى الحقيقى أن يحدث لنا - مع نهاية الشهر الفضيل - انقلاب استراتيجى فى طريقة تفكيرنا، أن نميز بين جواهرنا الحقيقية والمزيفة. حقائق الإسلام وأباطيل خصومه فى المقالات القادمة سوف نتعرف إلى أسباب جديدة للإيمان بالإسلام لا نحتاج بعدها إلى خوارق ومعجزات، نؤمن بالإسلام لأنه الدين الذى يجعلنا نعتقد بإله هو رب العالمين، لا يحابى ذرية على ذرية، ولا يختص بالنجاة فريقاً دون فريق، ولا يميز أحداً بغير العمل والتقوى، نؤمن بالإسلام لأنه الدين الذى يجعلنا نؤمن بنبى مهمته الهداية، يعلم ما علَّمه الله ولا يعلم الغيب إلا بإذن الله، يخاطب العقول ولا يقسرها على التصديق بالخوارق والأعاجيب، نؤمن بالإسلام لأن عقيدته فى الإنسان أنه مسؤول عن عمله، يؤاخذه الله بذنبه ولا يؤاخذه بذنب غيره، وينجيه بتوبته، ولا ينجيه بكفارة لم ينهض بثوابها، نؤمن بالإسلام لأنه عهد بين الله وخلقه لا حاجة فيه إلى كاهن ولا وسيط. لا يكل العقاد ولا يمل من تذكيرنا بجواهرنا الحقيقية حينما قدم لنا أسباب اقتناعه بالإسلام فى منطق عقلى صرف، ومؤلفات احترمت العقل ولم تتلاعب بالوجدان، كان منهجه العقلى يقوم على أسس منطقية قابلة للنقل والتكرار، التفكير العلمى فى أبهى صوره كما يجب أن يكون. فى كتابه البديع «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه» يؤكد العقاد أن العقيدة فى الإله هى ذروة سنام العقيدة والشىء المهم الذى تتفاضل به الأديان، وفى الوقت الذى يشتد فيه اهتمام المخلصين بقضايا فرعية يؤكد العقاد ضرورة الاهتمام بالأهداف الكبرى للعقيدة، تعريف الناس برب الناس بيان مهمة الرسول، تأكيد المسؤولية الفردية وإتمام مكارم الأخلاق. يستعرض العقاد بحث الإنسان البدائى المحموم عن خالقه عز وجل، وعبادة الطوطم والأسلاف والأجرام السماوية ومحاولة الإنسان بمعزل عن الوحى السماوى تفسير إشكالية الموت والحياة والتماس مبرر لوجوده وحام له أمام قوى الطبيعة الكاسحة والغيب المرهوب، ظهرت دعوة إخناتون التى لم تخل عقيدته من لمسة وثنية ممثلة فى عبادة الشمس (حتى لو كانت رمزاً للخالق)، من بعده ظهر أرسطو، وبرغم أنه عقل فريد يعرف قيمته كل من خاض بحار الفلسفة، فإن تصوره عن كمال الإله كان لا يقارن بالصورة التى رسمها الإسلام للخالق العظيم، فهو عنده كمال مطلق لا يعمل ولا يريد ولا يهتم بالخلق باختصار كمال مطلق يوشك أن يكون والعدم سواء. أما صورة الإله فى «العهد القديم» فهى صورة إله يحب رائحة الشواء ويتمشى فى ظلال الحديقة ليتبرد بهوائها ويصارع عباده ويصرعونه، إنه «يهوا»، إله شعب إسرائيل الخاص بالقبيلة الذى يعتبر الكفر به ضرباً من خيانة الرعية لملكها، وما عبدوه إلا لاعتقادهم أنه قادر على حمايتهم، حيث عجزت الآلهة الأخرى، باختصار هى عقيدة شعب مختار بين الشعوب فى إله مختار بين الآلهة، وليس فى العقيدة إيمان بالتوحيد ولا هى مما تتسع لديانة إنسانية أو يعتبرها الباحث المنصف مقدمة للإيمان بالإله الذى يدعو إليه الإسلام (يتبع).