فى كل يوم من أيام هذا الشهر سوف تقرأ مقالة مستمدة من إسلاميات العقاد، طموحى من نشرها أكبر بكثير من توضيح معلومة أو زيادة علم أو نقل معرفة، طموحى الحقيقى أن يحدث لنا - مع نهاية الشهر الفضيل - انقلاب استراتيجى فى طريقة تفكيرنا، أن نميز بين جواهرنا الحقيقية والمزيفة. من الأوهام الشائعة أن الدين الإسلامى هو الدين الكتابى الوحيد الذى أباح تعدد الزوجات، فتعدد الزوجات لم يحرّم فى كتاب من كتب الأديان الثلاثة، وكان عملاً مشروعاً عند أنبياء بنى إسرائيل فتزوجوا أكثر من واحدة وجمعوا بين عشرات الزوجات والجوارى، الذى حدث فى القرن الأول للمسيحية أن الآباء كانوا يستحسنون من رجل الدين أن يقنع بزوجة واحدة - والأفضل ألا يتزوج البتة - باعتبار الزواج الواحد اكتفاء بأقل الشرور، إذ كانت المرأة عندهم شراً محضاً، وحبلاً من حبال الشيطان. فهو لم يحرم التعدد - حين حرمه - إكباراً للمرأة وتنزيها لها عن قبول المشاركة فى زوجها، بل لأنها شر يكتفى منه بأقل ما يستطاع. أباحت شريعة الإسلام تعدد الزوجات، ولم تفرضه كما يتبادر إلى أذهان الغربيين وإنما أباحته مع ضمان العدل بين النساء، والمسوغات لذلك كثيرة بعضها يرجع لخصائص الطبيعة، أو ضرورات المعيشة الاجتماعية، وربما عقمت المرأة أو أصيبت بمرض عضال، أو ذهبت عنها جميع المغريات الحسية والنفسية، فيضيرها الطلاق فى هذه الحالة أكثر من المشاركة فى زوجها. ومن المحقق أن الإحساس الذى يتولد من تعدد الزوجات لا ترضاه النساء، ولكن أين هو المجتمع الذى يتكفل لكل إنسان بالرضا ويعفيه مما يخالف هواه!! فالمرأة - كالرجل - تلاقى فى حياتها كثيراً من المنغصات كمهانة العمل، أو الدمامة، أو الغيرة البائسة، وليس فى وسع الشرائع أن تعفى النساء - أو الرجال - من هذا الشعور البائس. ولا مناص - للمرأة والرجل على السواء - من قبول ما لا يسهل قبوله. ومما لا شك فيه أن اتفاق الزوجين على الوفاء والعشرة الدائمة كمال روحانى مفضل على العلاقة بين رجل واحد وعدة زوجات، ولكن الكمال الروحانى لا يفرض بقوة القانون، هذه حالات يتمناها الناس ويحلمون بها، ولكن الشرائع لا توضع للأمانى والأحلام، وهكذا صنعت شريعة الإسلام، فاعترفت بأن الزوجة الواحدة أدنى إلى العدل والإحسان، وأباحت تعدد الزوجات لأنه حالة لابد من حسبانها فى الشرائع الاجتماعية، وإقامة الشرائع على إنكار الواقع نقض للشريعة من الأساس، لأن تحريم ما دون الكمال يوقعنا فى مغالطة أن الناس جميعاً يستطيعون العيش على سنة الكمال. فإذا حدث التعدد اشترط العدل الذى نبه الرجال مقدماً إلى صعوبته: «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة»، «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم». واشترط على الأزواج القدرة على تكاليف الحياة الزوجية والتسوية فى السكن والرزق بين الزوجات: «أسكنوهن من حيث سكنتم» و«وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف». والأهم من سلطان التشريع أنه لا يجوز إكراهها ولا يصح الزواج إذا بنى على الإكراه. فلا حرج على المرأة فى تشريع تعدد الزوجات متى كان الرأى فيه موكولاً إلى مشيئتها تقبل منه ما لا ترى فيه غضاضة عليها أو ترى أنه ضرورة أخف لديها من ضرورات تأباها.