قبيل سفر الرئيس مبارك فى زيارة رسمية إلى الولاياتالمتحدة، وصل إلى القاهرة نجم الصحافة التليفزيونية الأمريكى، تشارلى روز، لإجراء مقابلة معه حول أحدث التطورات. جلس الرئيس وقد وضع رجْلاً على رجْل، وكذلك المذيع اللامع. بعد قليل اعتدل الرجل فى جلسته وهو يستمع إلى الرئيس يعبر عن رأيه بصراحة وتلقائية فى رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو: «فى اعتقادى أنه يسعى إلى تحريك عملية السلام ولكن فقط وفقاً لرؤيته الخاصة ولطريقته فى التفكير وللنصائح التى يتلقاها من آخرين». بدأ المحاور المخضرم يشتم رائحة مثيرة من وجهة نظره، نسميها فى عرفنا «الصراع الدرامى» الذى يمكن تطويره نحو «عُقدة» من خلال مجموعة من الأسئلة تجذب المشاهد. انتقل بمؤخرته قليلاً نحو حافة مقعده ونظر إلى الرئيس نظرة المستعبط المتعاطف: «ما الذى لا يفهمه نتنياهو؟» رد الرئيس بلهجة الخبير المحلل: (إنه يبحث فقط عن أمن الإسرائيليين، وهو ما لا يكفى.. لقد التقيت به هنا فى هذه الغرفة بعد انتخابه وبعد عودته من زيارته إلى الولاياتالمتحدة.. قلت له: «إذا لم تُعط انطباعاً بأنك ستلتزم بالاتفاقات التى أُبرمت مع الحكومات السابقة، فسيؤدى هذا إلى جحيم من المشاكل». زاد اقتراب الصحفى الأمريكى من حافة مقعده أكثر مستحثاً الرئيس على الاستمرار دون أن يفتح فمه، فاستمر الرئيس: «قال لى: إننى سألتزم بالاتفاقات وسترى أننى سأطبقها»، ثم أطرق الرئيس فاقترب تشارلى أكثر وأكثر من حافة مقعده، فاستطرد الرئيس: «حتى الآن لم يحدث شىء». عند هذه النقطة بدا واحد من ألمع نجوم الصحافة التليفزيونية فى العالم وكأنه ينحنى تحت أقدام الرئيس وهو يكاد الآن ينزلق من على حافة المقعد بينما لايزال الرئيس ملء مقعده، رجْلاً على رجْل، واثقاً من موقفه. لكنّ تشارلى روز كان قد وصل أخيراً إلى ما يريد عندما وصل بالرئيس إلى بيت القصيد: «المستوطنات هى القنبلة الموقوتة على طريق عملية السلام، قنبلة موقوتة، ليست قنبلة عادية، بل قنبلة ذرية موقوتة. وإذا لم يتم التعامل مع مشكلة المستوطنات بصورة متكاملة فربما يؤدى هذا إلى انفجار المسألة كلها». الطريف أننا هنا لا نتحدث عن اللقاء التليفزيونى الأخير الذى أجراه تشارلى روز مع الرئيس مبارك قبل توجهه أمس إلى واشنطن. بل إن هذا اللقاء تم فى الأسبوع الأول من يناير عام 1997، وكان ذلك هو اللقاء الأول من بين تسعة لقاءات أجراها هذا الصحفى وحده مع الرئيس مبارك فى مناسبات مختلفة على مدى الاثنتى عشرة سنة الأخيرة. مختتماً ذلك اللقاء الأول، وضع تشارلى روز بين يدى الرئيس عرضاً ظريفاً: «لو كان لى أن أخرج من لقائى هذا إلى إسرائيل فماذا تريدنى أن أقول للسيد نتنياهو؟» رد الرئيس بكل ثقة وبلهجة لا تخلو من قليل من التهكم: «أولاً أبلغه تحياتى، وثانياً أنا لا أريد منه أكثر من أن يلتزم بكلامه الذى قاله لى أثناء لقائنا فى القاهرة، وهذا هو كل ما فى الأمر». ما أشبه اليوم بالبارحة، حتى بعد مرور أكثر من اثنتى عشرة سنة، إلى الحد الذى يدفعك إلى التساؤل: لماذا يتكبد هذا الصحفى عناء السفر من نيويورك إلى القاهرة مرة أخرى قبل أيام قليلة؟ ألم يكن يكفى أن يعيد إذاعة هذا الشريط الذى يبلغ طوله 27 دقيقة و35 ثانية خُصصت كلها للحديث عن نتنياهو عدا سؤال واحد عن المعونة الأمريكية؟ ما الذى قاله الرئيس أثناء ذلك اللقاء ولا ينطبق على ما نحن فيه الآن؟ لا شىء! لا شىء على الإطلاق، وكأنما توقفت عقارب الساعة. والواقع أن نجم الصحافة التليفزيونية الأمريكى- الذى أدار قبل سنوات قليلة ندوة فى ولاية كولورادو كنت أحد أطرافها ضمن محفل ضخم ضم بدوره عدداً من نجوم السياسة والاقتصاد والفن فى أمريكا، من بينهم كولن باول ودونالد رامسفيلد وجورج شولتز والملكة نور – وصل إلى القاهرة يوم الثلاثاء الماضى استعداداً للقاء الرئيس مبارك فاتصل بى فدعوته ليلتها على العشاء كى أثبت له كرم المصريين. كنت أتوقع أنه، وهو الصحفى النجم المخضرم، يريد أن يستنير حتى بآراء الصحفيين الذين لا يمثلون قطرة فى خبرته ونجوميته، فهكذا شيم الكبار. وكنت أتوقع أن تتمحور تساؤلاته حول إمكانية حراك جديد فى سلام الشرق الأوسط فى ظل أوباما، وما إذا كانت القاهرة تتوقع خيراً من نتنياهو فى نسخته الجديدة القديمة. لكنه ترك ذلك كله وعمد إلى أن يرد الكرم المصرى بكرم أمريكى: «كيف حال صحة الرئيس؟».