هل تتخيل أن يكون تطعيم طفلك بتناول ثمرة من الموز يأخذها عند سن شهرين وأربعة وستة شهور لتقيه من شلل الأطفال أو الالتهاب الكبدى الوبائى، أو يأخذ ثمرة من ثمار البطاطس التى تحمل التطعيم ضد الكوليرا بدلا من الذهاب به إلى عيادة الطبيب ليأخذ هذا التطعيم عن طريق الفم أو الحقن؟ هل تتخيل أن يكون علاج أحد المرضى بالسرطان أو علاج النزيف الحاد نتيجة لسيولة الدم أو الهيموفيليا فى لبن نعجة أو عنزة؟ هل تتصور أن مشكلة نقل الأعضاء قد انتهت على يد الخنازير أو الأبقار والأغنام، وأن هناك محاولات لنقل قلب الخنزير أو دمه، وكذلك بقية أعضائه إلى الإنسان دون أن يلفظها الجسم الآدمى؟ هل تتصور أن الطماطم لم تعد مجنونة؟ ولم يعد يهمها البرد أو الثلج؟ وأن الأرز يمكن زراعته بالماء الملح؟ وأن القطن لم يعد يعبأ بالدودة التى كانت تهدده وتقضى عليه؟ كل هذا وأكثر لم يعد مجرد تخيل، بل خرج الكثير منه إلى حيز الواقع عن طريق علم الهندسة الوراثية والبيولوجيا الجزيئية، حيث يمكن استخدام الجينات المسؤولة عن صفات معينة ونقلها من إنسان إلى إنسان، أو من إنسان إلى حيوان، أو من حيوان إلى حيوان، أو من نبات إلى نبات، أو من بكتيريا أو فيروس إلى إنسان أو حيوان أو نبات، فحكاية التطعيم الذى يمكن أن يتناوله الطفل فى ثمرة الموز إنما هو تجربة فعلية تجرى فى معهد «بويس تومسون» لأبحاث الهندسة الوراثية فى الولاياتالمتحدة، والذى يجرى أبحاثا كثيرة خاصة بالنواحى العلاجية والوقائية الخاصة بالإنسان، وتعتمد فكرة التطعيم هذه على إدخال الجين الخاص بالجزىء المعدى لفيروس أو بكتيريا معينة إلى النبات بحيث تنمو ثمار هذا النبات حاملة لهذا الجين الفيروسى، وعندما يتناولها الإنسان، فإن هذا الجين يحفز الجهاز المناعى لإفراز الأجسام المضادة للفيروس الذى ينتمى إليه، لتقى الجسم من العدوى بهذا الفيروس، أى أن ثمرة هذا النبات قد أصبحت بمثابة التطعيم أو المصل الواقى الذى يمكن أن يحمى الجسم من عدوى الأمراض والفيروسات المختلفة. وقد تم تجريب هذه التقنية بنجاح على الفئران باستخدام ثمار البطاطس للتطعيم ضد الكوليرا، إلا أن تجربة البطاطس مع الإنسان لاتصلح لأن الإنسان لن يأكل البطاطس نيئا كما أكلتها الفئران التى تم تجريب التطعيم عليها، وفى نفس الوقت فإن أكله مطبوخا يفسد التطعيم، لذلك فقد فكر العلماء فى استخدام ثمار الموز بدلا من البطاطس، ولكن ما الذى سوف تسفر عنه تجربة إدخال جينات الفيروسات إلى المحاصيل الغذائية فى النبات، وما هو رد فعل أجسامنا تجاهها؟ هذا ما سوف تسفر عنه الأيام وما يجب أن ننظر إليه بحذر. وفى نفس المعهد «بويس تومسون» تجرى أيضا تجارب خرجت إلى حيز التطبيق لإنتاج نوع من البروتينات فى لبن الماعز يجفف ويستخدم كدواء لعلاج السرطان ويسمى مبدئياً BR 96، وذلك من خلال إدخال الجين الخاص بتصنيع ذلك البروتين إلى النطفة التى سوف تكون العنزة، ثم وضعها فى رحم عنزة أخرى، وبعد ولادتها يتم الكشف عن الجين فى خلاياها، وبعد أن تكبر وتنتج اللبن الذى يحمل البروتين المنشود، يجفف ويصنع منه علاجا للسرطان ولبقية الأمراض المرجو علاجها من خلال العلاج الجينى والهندسة الوراثية. وهذه التكنولوجيا تستخدم فى العديد من مراكز أبحاث البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية مثل شركات HCG، PPL وغيرها التى شاركت فى استنساخ النعجة «دوللى» وبعدها «بوللى» اللذين يحملان نفس الصفات الوراثية لعلاج بعض الأمراض المستعصية والتى تفرز فى لبنها، وتوالت المحاولات الناجحة لوضع الجين السليم، بدلا من الجين المعيب فى البويضة المخصبة للحيوان، وبالتالى يولد الحيوان حاملا لهذا الجين الذى يجعله يحمل صفات معينة لم تكن فيه، وفى هذه الحالة يسمى «حيوانا مهجنا» يحمل هذا النوع من البروتينات، مثل البروتين الذى يعالج «تليف الرئة الحوصلى» وأيضا عوامل تجلط الدم، مثل العامل التاسع والعاشر لمنع حدوث النزيف فى مرض الهيموفيليا، والإنسولين لعلاج مرض السكر، وهناك نوع من البروتينات يسمى Tissue Plasminogen Activator أو TPA يمنع الإصابة بالأزمات القلبية والسكتة وجلطات القلب، حيث يمكن إفرازه أيضا مع لبن أى من هذه الحيوانات، عن طريق إدخال الجبن المسؤول عن إنتاجه فى النطفة المستنسخة، قبل وضع الجنين فى رحم الأم، بحيث يفرز البروتين المطلوب من ثدى أنثى هذا الحيوان. وهناك شركة أخرى متخصصة فى صنع الأدوية والبروتينات التى تعتمد على إصلاح عيوب الجينات الوراثية، وتسمى HGS، وتسمى:G Protein Coupled Receptors وتصل إلى 70 نوعا، لعلاج أمراض كثيرة، مثل ضغط الدم الأولى، وقرحة المعدة والإثنى عشر، والصداع النصفى، والسكر من النوع الثانى غير المعتمد على الإنسولين، الذى يصيب الإنسان فى مرحلة متأخرة من عمره، كما توصلت أيضا لإنتاج بعض البروتينات التى تؤدى إلى استعادة نمو الجلد والشعر وحيويته، لاستعادة حيوية الجلد، ولالتئام الجروح، واستعادة نمو الشعر بعد حدوث الصلع، أو فقده نتيجة للعلاج الكيماوى فى حالات السرطان. وقد توصلت الأبحاث فى هذه الشركة أيضا إلى نوع من البروتينات يمنع العلاج الكيماوى من تدمير خلايا نخاع العظم الذى ينتج ويصنع خلايا الدم، وبالتالى يمنع حدوث كل المضاعفات التدميرية المصاحبة للعلاج الكيماوى فى حالة الإصابة بالأنواع المختلفة من السرطان. [email protected]