أقصد قضية الإخوان الأخيرة، التى عرفت بقضية التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، والتى أعتقل لأجلها ووجهت اتهامات لأكثر من 30 من قيادات الإخوان المسلمين على رأسهم د. عبدالمنعم أبوالفتوح، أمين عام اتحاد الأطباء العرب، والشخصية المصرية محل الإجماع الوطنى، وحار الكثيرون فى السبب وراء هذا التصعيد الذى لم يحدث على هذه الدرجة منذ اعتقال المهندس خيرت الشاطر وإخوانه ال39 فى ديسمبر 2006؟ وفى تقديرى أن السبب الرئيسى وراء هذه القضية هو تصفية الحسابات ومحاولة التعويق وتهديد العاملين فى مجال العمل الإخوانى لدعم ونصرة القضية الفلسطينية فى الساحة الدولية، وهو النشاط الذى ظهر أثره جليًا أثناء العدوان على غزة، حيث استطاعت هذه الجهود أن تحشد الرأى العام العالمى فى مختلف دول العالم للوقوف فى وجه المشروع الصهيونى وتحديه وفضحه وكشف من يدعمه ويؤازره ويتعاون معه- ظهر هذا جليًا فى حراك الجماهير «ليس الآلاف بل الملايين» فى مختلف العواصم والمدن العربية والإسلامية بل الأوروبية والأمريكية والآسيوية، ليس فقط تعاطفًا واضحًا إلى جانب الشعب الفلسطينى ورفضًا للعدوان عليه ولحصاره بل ووقوفًا إلى جانب مشروعية المقاومة وفصائل المقاومين، وهو تعاطف غير مسبوق كانت وراءه جهود مخلصة استطاعت توظيف الحدث وتسليط الأضواء على الحقائق والصور، فأثرت إيجابيًا على الرأى العام الإنسانى العالمى الذى كان فى السابق يترك نهبًا لتضليل ماكينة الإعلام الصهيونية، فينساق وراء أكاذيبها وتفسيرها للأحداث. وبدا من ذلك الحين جليًا أنه قد صار فى العالم تياران - بل تنظيمان- أحدهما يقف إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى بما فى ذلك حق المقاومة والكفاح المسلح والآخر يقف إلى جانب الكيان الصهيونى، وتشديد الحصار على غزة وإنهاكها وصولاً إلى تصفية المقاومة وكتابة الفصل الأخير فى كتاب القضية الفلسطينية، وظهر جليًا من المواقف العملية «سواء من الحرب أو الحصار»، إن كثيرًا من الأنطمة العربية قد غيرت بوصلتها من المعسكر الأول إلى الثانى، بل اشتبكت مع أنصار المعسكر الأول «تمهيدًا لتصفية القضية وإتمامًا لصفقة التطبيع الصهيونى الكامل والمجانى مع الدول الإسلامية مجتمعة». أقول إن الاشتباك الحالى مع تيار دعم الحقوق الكاملة للشعب الفلسطينى فى مصر بدأ باعتقالات متتالية ومستمرة للإخوان المسلمين طوال 2008- 2009 طالت قرابة 3 آلاف من الإخوان فى أفواج وأمواج متتالية ابتداء من يناير 2008، حين تحركت تظاهرات الإخوان ضد الحصار الظالم لأهل غزة ومرورًا بقضية عرفت بخلية دعم غزة «د. عبدالحى الفرماوى- د. محمد عماد- د. محمد وهدان»، وثانية عرفت بقضية إغاثة غزة «د. جمال عبدالسلام» وثالثة ورابعة ضد ناشطى حملات فك الحصار عن غزة- الأولى والثانية- ثم جاء العدوان الصهيونى فى 27 ديسمبر 2008- الذى أراد تحطيم إرادة وصمود أهل غزة، بعد فشل الحصار فى تحقيق ذلك- فخرجت تظاهرات دعم المقاومة يقودها الإخوان فى كل محافظات مصر فجاءت سلاسل جديدة من الاعتقالات طالت مئات وراء مئات من الإخوان «الأستاذ سيد نزيلى وإخوانه»، وطالت كل أعضاء الأمانة العامة للجنة فلسطين «د. عبدالفتاح رزق وإخوانه»، ولما انتهى العدوان المباشر على غزة وهدأت ثورة الجماهير جاءت مرحلة تصفية الحسابات مع الذين كانوا وراء هذا الحراك الداخلى، فتمت اعتقالات طالت قيادات ومسؤولى الإخوان فى مختلف محافظات مصر «د. مصطفى الغنيمى وإخوانه»، وبقى البعض منهم وراء القضبان حتى الإعلان عن قضية التنظيم الدولى فضموا إليها رغم أنهم كانوا فى الأصل محبوسين على ذمة قضية «تظاهرات دعم غزة» فلما أخلت النيابة سبيلهم منها اعتقلوا وضموا للقضية الجديدة «م. خالد البلتاجى وإخوانه». جاءت قضية التنظيم الدولى امتدادًا وتوسيعًا- لمرحلة تصفية حسابات الحراك الشعبى لنصرة غزة- لمعاقبة هؤلاء الأشخاص والمؤسسات «العاملين فى الساحة الدولية للنصرة» والضغط عليهم وتعويق جهودهم مستقبلاً- كى لا يتكرر الحراك الإنسانى العالمى ضد الصهاينة والأنظمة المتعاونة معهم.. ونظرًا لأن العديد من الأنظمة العربية شاركت طويلاً فى حصار الشعب الفلسطينى، ثم صمتت أثناء العدوان عليه «أملاً فى أن تكون الحملة العسكرية الصهيونية حملة تأديبية لفصائل المقاومة، تنتهى بها لرفع الرايات البيضاء، تمهيدًا لإجبارها على كتابة الفصل الأخير فى نهج المقاومة، ومن ثم جرها إلى قافلة التلهية العبثية المسماة التسوية السلمية»، هذه الأنظمة لم تسترح لصمود المقاومة أمام هذا العدوان البربرى، ولا لهذا الحراك الشعبى العالمى الجارف الذى وقف مؤيدًا للمقاومة والمقاومين من جانب، وفضح مواقف الأنظمة العربية ووصف مواقعها بأنها أقرب إلى خندق العدو ومصالحه من خندق الأمة ومصالحها من جانب آخر، ولم تجد هذه الأنظمة - وقتذاك- بدًا من تجرعها مرارة الصمت أمام طوفان تعاطف الشعوب التى لم تفلح الآلة الإعلامية فى صرفها عن فعالياتها «مظاهرات- مؤتمرات- مسيرات مليونية- اعتصامات- وقوافل إغاثة لغزة من كل أرجاء الأرض برًا وبحرًا- حملات شعبية لفك الحصار» فما هدأ هذا الحراك الهادر- لأسباب عديدة- بعد توقف الحرب العسكرية المباشرة بدأت رسالة التصدى وتقليم أظافر- ليس فقط الأشخاص، بل المؤسسات- التى كانت من وراء هذا الحشد الإنسانى العالمى، وهى الرسالة التى بقدر ما تمثل من تصفية حسابات المرحلة السابقة فهى تهيئ الساحة الدولية والمناخ العام للدخول فى مرحلة التسوية الجماعية المرتقبة ل57 دولة إسلامية مع الكيان الصهيونى بلا مقابل، ومن ثم جاءت قضية التنظيم الدولى وزج فيها بأسماء لشخصيات ولمؤسسات عجبنا أن تكون محلاً لتحريات المباحث المصرية ولتحقيقات النيابة المصرية «مؤسسات عربية وأوروبية!». وقد يبدو السؤال «هل صارت مهمة ضرب وتفكيك التنظيم الدولى لنصرة فلسطين مهمة مصرية؟ وهل يقوم بها النظام المصرى بالأصالة عن نفسه أم بالوكالة عن غيره؟ وما مصلحته فى كلتا الحالتين؟»، سؤالاً يصعب طرحه لكن الإجابة عليه واضحة لكل ذى عينين من خلال مراجعة المواقف الرسمية المصرية التى فرضت وشددت الحصار على غزة من خلال الإغلاق التام لمعبر رفح- حتى بالمخالفة للقانون الإنسانى الدولى والذى يفرض مساعدة المحاصرين- ثم هدمت أنفاق الإغاثة على من فيها استجابة للمطالب والتفتيشات الأمريكية ومنعت قوافل الإغاثة المصرية والعربية والأوروبية من الدخول لغزة، بل تركت آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية فى استاد العريش حتى تلفت وفسدت وتعرضت للنهب المنظم، هذا فضلاً عن الموقف الرسمى من الحرب الصهيونية على غزة «والذى اتهم المقاومة أنها السبب فى وقوع العدوان وسمح لوزيرة خارجية الكيان الصهيونى أن تعلن الحرب من القاهرة وقمع التظاهرات فى القاهرة ضد العدوان وحبس المتظاهرين»، ومن خلال قضية التنظيم الدولى هذه يؤدب الذين مدوا يد العون والمساعدة لإخوانهم فى غزة، ويكفيك أن تراجع أسماء وأدوار المتهمين فى القضية لتعرف الحقيقة بجلاء «د. عبدالمنعم أبوالفتوح، أمين عام اتحاد الأطباء العرب، د. جمال عبدالسلام، مدير لجنة الإغاثة والطوارىء باتحاد الأطباء العرب، د. أشرف عبدالغفار، مقرر لجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة أطباء مصر، وهذا الاتحاد وهذه النقابة وهذه اللجان وهذا الأسماء بشخوصها يعلم القاصى والدانى دورها فى محاولة كسر طوق الحصار عن الشعب الفلسطينى فى غزة قبل وأثناء وبعد الحرب الصهيونية عليها، كما أن د. جمال عبدالسلام سبق اعتقاله فى 15 ديسمبر 2008 لمدة أربعة أشهر بعد النجاح المذهل للحملة التى أطلقها لكسر الحصار تحت عنوان «غزة أولى بالأضحية»، أما د. محمد وهدان فقد سبق اعتقاله فى 5/2/2008، لمدة ستة أشهر مباشرة عقب مشاركته فى وفد أساتذة الجامعات الذى دخل غزة فى يناير 2008، ثم عاد ليعرض تجربته- فى دعم غزة وإغاثتها رغم الحصار المشدد عليها- أمام مؤتمر أعضاء هيئة التدريس بالقاهرة والمحامين بالإسماعيلية فتم اعتقاله مباشرة ووجهت إليه تهمة السفر إلى غزة وتقديم أموال للفلسطينيين هناك، فضلاً عن أن د. محمد وهدان- كما هو معلوم للجميع نائب رئيس المكتب الإدارى لإخوان الإسماعيلية وهى المحافظة- بطبيعة موقعها الجغرافى وتبعية شمال سيناء لها- الموكول للإخوان فيها مهام المساعدة المباشرة لقوافل الإغاثة، أما الأستاذ رضا فهمى فمعلوم لكل المهتمين بالقضية الفلسطينية أنه منسق لجنة فلسطين فى الإخوان المسلمين، فإذا انتقلنا للخارج فوجئنا بتضمين القضية اتهامات لأشخاص مثل الداعية وجدى غنيم «صاحب الفتوى الشهيرة أثناء العدوان على غزة بأنه ليس مؤمنًا ولا مسلمًا من أسلم أخاه للموت والجوع من خلال المشاركة فى الحصار» وحمود الرومى الكويتى «رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح الاجتماعى بالكويت وهى الجمعية التى قامت بجهود مشكورة للقضية كان آخرها تنظيم المؤتمر الشعبى العالمى لنصرة فلسطين، الذى انعقد فى اسطنبول فى مايو 2009 بحضور المئات من المؤسسات العالمية العاملة فى مجالات «الإغاثة- قوافل وسفن فك الحصار- الإعمار- الملاحقة القانونية لمجرمى الحرب الصهاينة- إعلام القضية الفلسطينية- المقاطعة الاقتصادية- فلسطين فى عيون الغرب...» وكان مؤتمرًا تنسيقيًا استهدف توحيد الجهود وتوظيفها والتكامل بينها، وكذا ضمت القضية شكيب بن مخلوف «رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا، وهو الاتحاد الذى استطاع تحريك- ليس فقط المنظمات التابعة له ولا الجاليات الإسلامية التى يمثلها- بل الشارع الأوروبى فى العديد من العواصم الأوروبية ونجح فى حشد الرأى العام لدعم الحقوق الفلسطينية فكانت التظاهرات ضد الصهاينة وكانت قوافل الإغاثة الأوروبية وكانت سفن فك الحصار الأوروبية وكانت الدعاوى القضائية لملاحقة مجرمى الحرب أمام المحاكم الأوروبية، والعجيب أن شكيب هذا بلجيكى الجنسية من أصل مغربى، لكن تحريات مباحث أمن الدولة المصرية ضمته فى القضية». وهكذا نجد أنفسنا أمام قضية تنظيم دولى طبيعى لنصرة فلسطين تقوم أجهزة مصرية باستهدافه وتعقب أشخاصه وتفكيك منظومته وتشويه جهوده، لا أدرى على وجه القطع لصالح من!، لكنى أدرك أن التقارب الرسمى المصرى- الصهيونى فى الفترة الأخيرة لا يحتاج للتدليل عليه، وهو غير منفصل عن التقارب المصرى- الأمريكى المنشود، والذى لا ينفصل بطبيعة الحال عن ملف مستقبل الحكم فى مصر. أخيرًا أقر وأعترف بكل الفخر- ولله الحمد والمنة- أننى كنت- وسأظل ما حييت- عضوًا فى التنظيم الدولى الطبيعى لنصرة فلسطين، «وقد شاركت فى تأسيس الحملة الشعبية المصرية لفك الحصار- القاهرة أكتوبر 2008- كما أننى عضو مؤسس للحملة الدولية لفك الحصار- بيروت مارس 2009، وقد شاركت فى اللجان التحضيرية لمؤتمر حق العودة- دمشق نوفمبر 2008- والمؤتمر الشعبى العالمى لنصرة فلسطين- اسطنبول مايو 2009- ومؤتمر دعم المقاومة بيروت يوليو 2009- ومؤتمر القدس الدولى اسطنبول 2007، وكذا عضو فى اللجنة الدولية لتوثيق وملاحقة مرتكبى جرائم الحرب تلك التى تشكلت فى بيروت عقب حرب غزة يناير 2009»، ولبيت وسألبى كل دعوة للمشاركة فى أى فعالية لنصرة حقوق الشعب الفلسطينى مهما كان الثمن، وهذا جهد المقل، وأدعوا كل حر لتحصيل هذا الشرف. «فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا» عضو مجلس الشعب عن جماعة «الإخوان»