شكّل فى حياته ملمحاً رئيسياً ومنهجاً عاماً، ليس لأنه ولد بديناً لا تستطيع الفصل بين مؤخرته وظهره فقط، ولكن لأن قفاه كان عريضاً مغرياً لكل أقرانه. هو الابن الأكبر لأب ينتمى إلى الطبقة المتوسطة العليا بحكم تعليمه، بدأ حياته فى قرية صغيرة بإحدى محافظات الوجه البحرى. كان الأب مشفقاً على طفله المنطوى.. يذهب إلى مدرسته لا يحادث أحداً من زملائه.. المدرسون معجبون بذكائه، بشطارته وتفوقه، ولكنهم جميعاً متفقون على انطوائه الشديد الذى يصل إلى حد مرضى. هذا التفوق وهذا الانطواء جعلا زملاءه يعتقدون أنه غرور مستفز، فقرروا كسر أنفه والسخرية منه، فاتفقوا مع كبيرهم، تلميذ عفى، كف يده مثل الكرباج، هو الفتوة لا يستطيع أحد الاقتراب منه.. بعد انتهاء اليوم الدراسى، لمح التلميذ البدين بطرف عينه زملاءه مجتمعين خارج المدرسة، لم يعرهم اهتماماً، استمر فى طريقه لا يلتفت خلفه، وما هى إلا خطوات حتى أفاق على صوت فرقعة عالٍ وألم فى مؤخرة رأسه، وضحكات عالية يضج بها المكان. كان القلم الذى هوى به الفتوة على قفاه المكتنز مؤلماً وقاسياً ونقطة تحول كبرى فى حياته. بكى الطفل كما لم يبك من قبل.. عاد إلى بيته ولم يحك لأحد ما تعرض له واستغرقه التفكير فى طريقة استرداد كرامته، وبعد وقت قصير وجدها.. قرر أن يركز كل تفكيره فى استقطاب زميله الفتوة، لابد أن يكون له ظهر ليس فقط حتى لا ينضرب على قفاه، ولكن حتى ينتقم من كل الذين سخروا منه بضربهم على أقفيتهم. رسم خطته وأقنع الفتوة بأنه سيساعده على التفوق، سيساعده فى المذاكرة ويمده ببرشام للامتحانات. نجحت الخطة، وكانت نقطة التحول. البدين يضرب الجميع على أقفيتهم فى ظل حماية «الفتوة» ولأن الرغبة فى الانتقام بداخله عارمة، خطط فى آخر عام دراسى، قبل أن يغادر قريته مع والده إلى القاهرة، للانتقام أيضاً من هذا الفتوة، فاتفق مع زملائه المضروبين دوماً على أن يتجمعوا عليه ويوسعوه ضرباً بعد آخر يوم فى الامتحان، هذا اليوم الذى أعطاه معلومات خاطئة تؤدى به حتماً إلى الرسوب. عاش صاحبنا وهو يتبع المنهج نفسه، اختر الأقوى فى كل مكان تذهب إليه، احمل حقيبته، نافقه، اقبل أن يهينك أو يصفعك فى الخفاء، المهم مؤقتاً أن يتيح لك ضرب الآخرين، تعريتهم، تدميرهم، حتى تكون خلفه فى المقدمة، وعندما تحين الفرصة، انقض على هذا الكبير، أوسعه ضرباً، افتح كل ملفاته التى كنت تحملها على صدرك. تقدم صاحبنا كثيراً، احتل مناصب لم يكن يحلم بها، تضخم قفاه حتى أصبح علامة مميزة، ولكن عند مرحلة معينة لم يعد ينمو، أمره «انكشف»، قفاه أصبح عرضة للتلوث، نذالته أخافت كل الكبار الذين لا يجدون أى صعوبة فى العثور على «قفا» بكر، فما أكثر أصحابها هذه الأيام! [email protected]