خطاب الرئيس الأمريكى ملىء ودسم مما يجعله بلا شك مثاراً للتحليل المتعمق وكذلك للاجتهادات الشخصية. وكل حر فى طريقة فهمه ورؤيته للخطاب، فالاتفاق والاختلاف على فحوى الخطاب أمر طبيعى! أما الشكر الواجب للرئيس أوباما فهو أولاً: لحضوره. فمن عاداتنا وأخلاقنا شكر أى ضيف على الزيارة فما بالك إن كان هذا الضيف هو رئيس أقوى دولة فى العالم.. ملاحظة على الهامش، أوباما لم يكن مضطراً أو مجبراً على زيارتنا أو حتى مخاطبتنا، لولا التركيبة الشخصية لأوباما لما عنى بالأمر من أساسه، تخيل عزيزى القارئ الأمر لو أن جون ماكين كان هو رئيس أمريكا. ثانياً: نشكر الرئيس الأمريكى على اختياره للقاهرة، فهو بهذا الاختيار الصائب قد أصاب عدة أهداف تصب كلها فى مصلحتنا، وتنم عن ذكاء شديد فى الاختيار. ولكن قبل أن نتحدث عما يقع فى مصلحتنا إثر الزيارة دعونا نشكر الرئيس الأمريكى على أنه لم يلجأ إلى أى أساليب سياسية غير واضحة عند اختياره لدولة المقر التى يلقى منها خطابه. ألم يكن بإمكانه أن يختار دولة عربية وإسلامية أخرى وبذلك يبث بذور الفرقة بيننا. ألم يكن فى استطاعته اختيار دولة إسلامية غير عربية - وهو حر فى اختياره - وبذلك يخرج العرب من الصورة. وفى النهاية، وهذا ما كان يراه ويتمناه الكثير من الأمريكيين والعرب، ألم يكن فى استطاعته أن يلقى خطابه معززاً مكرماً من مكتبه دون الحضور إلينا. من لم يفهم الرسالة بعد كل هذا فلا لوم عليه!! الرئيس أوباما عند اختياره للقاهرة كان يعلم تماماً أنها قلب العالم الإسلامى، ولو أراد لكان بإمكانه طعن هذا القلب طعنة أؤكد أنها ليست قاتلة ولكنها بلاشك كانت ستترك أثراً. لكنه لم يفعل، إنه يقدر دور مصر الإسلامى، ودور مصر فى المنطقة، ويعلم تمام العلم أن القاهرة هى ركيزة التوازن بالمنطقة. إن الإدارة الأمريكيةالجديدة لها رؤى خاصة بالمنطقة، والغريب أن هذه الرؤى هى ما كانت تقوم به مصر فعلاً خلال السنوات الماضية. فهل يمكن أن نقول إنهم تعلموا منا أو نقول إن السياسة المتوازنة العاقلة الهادئة المبنية على أسس وثوابت لا تحيد عنها هى فى النهاية الرهان المضمون. ثالثاً: نشكر الرئيس الأمريكى على أنه كان واقعياً - وكما هى شخصيته - برجماتياً فى خطابه، فهو لم يعدنا بما ليس فى إمكانه. كما أنه أوضح لنا أن كلنا شركاء فى العمل. لذلك يجب أن نرى هذا الخطاب على أنه مجرد بداية، فرصة للتعاون والحوار، فبدون هذا الحوار لن نصل إلى شىء، ونظل ندور فى نفس الدائرة المغلقة الجوفاء دون تحقيق أى شىء، وفى النهاية تنضم هذه المبادرة إلى رصيدنا من الفرص الضائعة. ملاحظة: تخيلوا أن البعض يفرح ويهلل عندما يقع صاروخ لا مردود له فى إسرائيل، أكثر مما نفرح حين نستعيد جزءاً من أرضنا بالحوار والمفاوضات. ألم يأتى الوقت لكى نتخلى عن هذه العواطف الساذجة والتصرفات الانفعالية ونفهم اللعبة كما يفهمها ويلعبها الطرف الآخر؟ نشكر الرئيس أوباما على رؤيته الشمولية للعالم الإسلامى فهو لم يختص دولنا الإسلامية فقط، ولكنه تحدث عن مسلمى أمريكا وأوروبا. إنه يدافع عن حجاب المسلمات فى أوروبا دون أن يطلب منه أحد ذلك. ولك أن تتخيل لو تحدث رئيس أمريكا مع أوروبا فى هذا الأمر الذى ندافع عنه ونتحدث فيه منذ سنوات. وكذلك تحدث أوباما عن حقوق مسلمى أمريكا وبناء دور العبادة لهم، وأنا أعلم أن هذا يتم هناك دون أى تعصب أو اختلاق للمشاكل. أكتفى بهذا القدر من الشكر للرئيس أوباما ونأتى إلى مربط الفرس، إننا فى المنطقة نتحدث عن هذا الخطاب على أنه أقوال جيدة ولكننا ننتظر منه الأفعال التى تدعم هذه الأقوال!! واحسرتاه.. «إننا ننتظر».. وكأننا كتب علينا القدر أن نكون دائماً غير فاعلين منتظرين أن يفعل بنا. هذه حقاً مأساة، إننا لا نرى أن رئيس القطب الأوحد فى العالم قد تحرك وأتى إلينا وألقى خطابه، ثم نريد منه أيضاً أن يبدأ هو بالفعل ويحل لنا جميع المشكلات. إن جيلنا يريد أن يعيش مع أبنائه فى سلام ويرفض أسلوب الخطابة وعرقلة محاولات التسوية، ونطالب باستثمار هذه الفرصة بدلاً من إهدارها. أليس من الحنكة والذكاء السياسى أن نبدأ نحن بالفعل.. كما فعلت مصر من قبل. كريم عبدالكريم درويش