أردد يومياً بلا مبالغة بيت المتنبى الذى يصف فيه أحوال مصر وكأنه يعيش بيننا وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا كل يوم أرى تفعيل هذا البيت وتحقيقه فى أشياء كثيرة أما الذى يقلب البكا إلى لطم لا إرادى كما يقول شيخنا أحمد رجب دائم شباب الكلمة وسخرية حاضرة. اللطم من أجل التناقض الذى نعيشه.. جمعيات تتنامى وكسر عين وكسر نفس بالمعونات الأمريكية والأوروبية وسيدات يجتمعن وندوات فى أغنى الفنادق وشعور تحت السيشوار بلا شعور حقيقى للمشاكل وأطفال الشوارع فى نزيف على الأرصفة وتحت الكبارى وبين المقابر.. والشقراوات فى الصحف والتصريحات تتوالى ولا مخرج. واليتامى فى دور الأيتام التى تجمع لها التبرعات من ذوى الفضل والرحمة يعيشون بلا قانون صارم ولا إدارة رحيمة.. بنات وصبيان (خلطبيطة) فى سن النضوج وميلاد الرغبات العارمة فى فراغ عقلى وتشكو المجتمعات هنا وهناك من جرائم وشذوذ فى دور الأيتام وهم ليسوا أيتام الأب والأم ولكنهم أيتام الإدارة وأيتام القانون الذى ينظم حياتهم وأيتام الصدق فى التعامل معهم.. وتستشرى تجارة الأطفال وخطف الأطفال. وتقف القوانين الجامدة عقبة فى سبيل خروج طفل إلى أسرة بديلة حيث منع الإسلام التبنى، والأسرة البديلة حل سليم لمن يستطيع ومعه ما يثبت الاستطاعة. لكن قصة أسوقها لكم لتعلموا أن التضامن مع أطفال الشوارع شديد القوة وبتصميم على زيادة أعدادهم بقوانين تقف عقبة أمام الأسر البديلة. السيدة سوزان محمد خليل، المحللة النفسية ذات المركز العلمى والاجتماعى صاحبة العيادة فى «هارلى ستريت» شارع الطب فى لندن.. السيدة سوزان خليل، تزوجت من السيد روبرت ستيفنز الإنجليزى الجنسية المسلم الديانة وانجبت طفلاً جميلاً وحالت ظروفها العلمية دون إنجاب آخر ففكرت فى طفل تتبناه مع ابنها يكون أخاً له واهتدت ببصيرتها أن الأفضل أن يكون مصرياً لحب ابنها لمصر، وكذلك زوجها ومحبتهما للمجىء لمصر دائماً. فجاءت بابنها إلى إحدى دور رعاية الأيتام ليختار طفلاً صغيراً بنفسه يشعر نحوه بانجذاب واختار عمر طفلاً وأصبح يزوره كل يوم ويأتى إليه كل فترة حتى تصادقا. ولم تكن تعرف سوزان أن بلدنا بلد القوانين الجامدة التى تصل بالبشر إلى حد العجز والقرف واللطم اللا إرادى وتقدمت بطلب لوزارة التضامن وأخذ الطلب خط سيره بين الأروقة وجهابذة الوزارة وتوقف على أن الأب إنجليزى والقانون كذا وكذا وأنا أتعرض يومياً لطلب وساطات وأنا لا أقبل الوساطة إلا لصاحب حق مظلوم، ولكن لا أقفز بظالم فوق صاحب حق حتى أنام قريرة العين والحمد لله نجحت بذلك متخطية فساد الذمم واعتقاد الناس بأنه لا حياة دون واسطة وهى بالمناسبة «رشوة كلامية» لمن ليس له حق. وتوسطت وتكلمت وطلبت مقابلة وزير التضامن بعد أن عصانى القانون من انقاذ طفل إما من الشذوذ فى دور رعاية الأيتام وإما الهرب إلى الشوارع. ولكن لم أستطع مقابلة الوزير، أقابله فى محافل كثيرة وأراه فى التليفزيون والصحف كلها يومياً مع القمح ورغيف العيش ولكن آلاف الجمعيات التى تحت خيم الوزارة يبدو أنها لا تأخذ من وقت معالى الوزير كثيراً لأن مادتها البشر - وهم زى الهم ع القلب فى مصر. ووعدتنى السيدة فاطمة شريف، مديرة مكتبه، أكثر من مرة كنت أريد مناقشة الوزير فى حياة طفل سوف يسافر مع الصغير الذى اصطفاه إلى إنجلترا مع أم مصرية بالتعهد بعودته إلى مصر مرتين فى العام لتتأكد الوزارة أنه سليم معافى ويحظى بعناية ويدرس فى مدرسة ولكن اكتشفت أن الوزارة تسمع عن خطف الأطفال وبيع الأطفال وزيادة أعداد أطفال الشوارع، ولكنها تعيش تحت رحمة قوانين جامدة. وملاجئ المنصورة تشهد بآخر واقعة شواذ فى دور الأيتام ومشكلة دار ليلة القدر لأستاذنا مصطفى أمين ما زالت قيد المناقشة والبحث عن مخرج من الفساد الذى حدث فيها.. حتى بعد تغيير مجلس الإدارة ومعاناته فى سبيل الإصلاح. كذلك غيرها من آلاف الجمعيات التى تقع تحت مظلة المعونات الأمريكية - الهيمنة بشكلها الجديد - والمعونات الآتية من الاتحاد الأوروبى فى سباق بين الاثنين فى السيطرة والهيمنة على المنطقة. والغريب أن القانون كان يسمح لأسرة يكون فيها أحد الزوجين (الزوج) مصرياً بأن تكون أسرة بديلة إلا أن المادة الثالثة من القانون رقم 154 لسنة 2004 والمعدل لأحكام القانون رقم 26 لسنة 1975 قد ساوى بين الزوج المصرى والزوجة المصرية فى أسرة يكون الطرف الآخر فيها غير مصرى وسمح لأطفال الزوجة المصرية المتزوجة من أجنبى بأن يكتسبوا الجنسية المصرية تلقائياً مثل أبناء الزوج المصرى المتزوج من أجنبية، كما أنه فى حالة أسرة السيدة سوزان خليل، كان يعتزم الزوج التقدم بطلب للحصول على الجنسية المصرية إلا أن ذلك يشترط الإقامة فى مصر لسنوات عديدة وهو أمر غير متاح فى الوقت الحاضر، حيث يعمل الزوجان فى بريطانيا. وتؤكد الزوجة والزوج فى طلبهما للوزير أن الطفل سوف يكون مثل ابنهما تماماً وسوف يتعلم فى مدارس مثل ابنهما، لأنه سوف يكون أخاً له بكل حقوقه وواجباته وقد حضرت سوزان خليل، وتعهدت عند أخذ الطفل أنها سوف تتصل دائماً بالقنصلية المصرية وتلتزم بكل تعليماتها بالاطمئنان على حالة الطفل فى أسرة بديلة. وبعد عامين من بداية المشكلة اكتشفت أن وزارة التضامن تتضامن أكثر ما يكون التضامن مع أطفال الشوارع.. وبالقانون واقرأوا المقال من أوله ونصحت السيدة سوزى خليل، بتبنى طفل بديل من أى مكان فى العالم حتى لو كان إسرائيلاً لأن مصر متضامنة مع أطفال الشوارع!