قلنا من قبل، ومازلت مصمما على أن أقول: إننا شعبان.. شعبان.. شعبان، واليوم ثبتت الرؤيا ليتأكد للجميع أن المصريين أنواع، والمواطنون درجات، فهناك أولاد الجارية وأولاد البرنسيسات، وأولاد البطة السودة وأولاد الهوانم والبشوات، وهناك مواطنون وهناك رعايا، لهذا قررت فجأة الإدارة العامة للمرور تحويل خط سير سيارات النقل والنصف نقل والمقطورة من طريق (القاهرةالإسكندرية) الصحراوى إلى طريق الإسكندرية الزراعى كل يومى خميس وجمعة من كل أسبوع طوال فصل الصيف، هكذا بدون سابق إنذار، فقد أجبر آلاف المواطنين منذ أسبوعين تقريبا على تحويل مسارهم عند نقطة تحصيل الرسوم فى الطريق الصحراوى إلى طريق جانبى ساروا فيه لمدة ساعة كاملة دون إبداء أى أسباب. وفى نهاية هذه التحويلة وجدوا أنفسهم فى بداية طريق مصر إسكندرية الزراعى، وبعدها نشرت جريدة الأهرام فى الصفحة الأولى قرار إدارة المرور الذى ينص على تحديد أيام وفترات السير خلال الأسبوع وطوال موسم الصيف فى يومى الخميس والجمعة للمتجه من القاهرة إلى الإسكندرية (يعنى الساحل الشمالى أى سكان مارينا المدللين)، بحيث يمنع مرور سيارات النقل التى تزعج أولاد الناس الكويسين، من الثانية عشرة ظهر الخميس حتى الثانية عشرة مساء الجمعة. وبعد انتهاء عطلة نهاية أسبوع أولاد (الرايقة) العائدين مبسوطين من مارينا، يمنع سير النقل والمقطورة فى الصحراوى من ظهر السبت حتى منتصف ليلة الأحد، وكل هذا التمييز والتفرقة العنصرية لا يهم ولكن الاستفزاز الأعظم والقتل الرحيم بقفازات بيضاء كالحرير هذه العبارة التى جاءت فى نهاية قرار إدارة المرور حيث يقول القرار إن هذه التحويلات فى خطوط السير صدرت (حرصا على سلامة وأرواح المواطنين)، ياسلام على الحرص والضمير الصاحى!!، يعنى الحكومة حريصة كل هذا الحرص على سلامة وأرواح المواطنين المتجهين لمارينا والعائدين منها، أما الغلابة الخارجون على أرزاقهم قاصدين كريم فيموتون فى ستين ألف داهية على الطريق الزراعى المزدحم بسيارات الركوب وأتوبيسات الأقاليم وعربيات نقل المواشى وسكان القرى والمدن المنتشرة على طول الطريق الزراعى. هكذا بصريح العبارة قررت إدارة المرور رضوخا لرغبات أباطرة وبهوات وباشوات الساحل الشمالى أن المواطنين المصريين الأولى بالرعاية والمطلوب الحفاظ على حياتهم وسلامتهم هم أبناء مارينا الذين شقوا لهم من قبل طريق (مارينا العلمين) وتكلف مئات الملايين دفعها الشعب المصرى من دمه ومن قوته الضرورى. بينما هناك آلاف القرى المصرية تنقطع بها السبل وتعزل نهائيا عن الحياة بالأسابيع فى الشتاء الموحل لا لشىء سوى لإنها تحتاج إلى طريق مسفلت طوله خمسة كيلومترات فقط، قد لا يتكلف سوى بضعة آلاف من الجنيهات يأخذها أحد الفاسدين فى ليلة سودة وهو يوافق على بعض الصفقات المشبوهة، واليوم تفرض إدارة المرور على الغلابة أن يتركوا لأولاد الباشوات ورجال الحكومة المتنفذين الطريق الصحراوى لينفردوا به بعيدا عن قرف سائقى عربات النقل والمقطورات، وليذهب كل الغلابة إلى الجحيم أو إلى الطريق الزراعى أو طريق الآلام. فأولاد الناس لهم سكة السلامة وأولاد الجارية لهم سكة الندامة أو(سكة اللى يروح ما يرجعش)، حيث يزدحم بكل أنواع وسائل النقل المعاصرة والبدائية ليلقى العابرون الراكبون والراجلون حتفهم مطمئنين إلى أن الموت للفقراء خلال عطلة نهاية الأسبوع على الطريق الزراعى أجمل كثيرا من الموت فى الطريق الصحراوى، والموت فى أحضان أبناء الدلتا الخضراء الدافئة أحن وأحلى من الموت فى الصحراء الجرداء القاحلة، خاصة أن موت الفقراء لا يهم أصحاب القلوب القاسية والصدور المنزوعة الرحمة والمنزوعة الدسم. ولكن على الأقل من سيموت فى الزراعى على حافة قرية مصرية بالتأكيد سيجد فلاحة مصرية أصيلة قلبها أبيض من البفتة البيضاء، وصدرها أحن على الميت الغريب من صدر أمه التى خلفته فى قلب دولة رجال الحكم فيها قدت قلوبهم من الحديد، ستأتى له بملاية سرير بيضاء وتغطيه وتصوت عليه وتنتحب قائلة: ياميت غريب وبعيد عن دارك وولادك ياحبيبى. لست أدرى من الذى وضع كل هذه القناعات المعادية لأبسط حقوق المواطنة فى وجدان النظام المصرى، ومن أين جاء رجال الحكومة بكل هذا الجبروت وكل هذه القسوة وكل هذه الاستهانة بأبناء الشعب المصرى المسكين الذى تحول لفريسة سهلة فى قبضة حكومة لا ترحم، ورجال لا يعرفون الفرق بين الاستبداد والعدل، ولكنهم يعرفون بوضوح الفرق بين الفول النابت والسيمون فيميه، وكأنهم خلقوا ليبقوا، وخلقنا للهلاك، والموت فى الحروب، والسفن الغارقة، والقطارات المحروقة، والطرق الصحراوية والزراعية وما بينهما، حقيقة الحكومة حريصة على حياة وسلامة المواطنين الخمس نجوم. أما المواطنون الغلابة والفقراء من فئة النجمة الواحدة أو سكان السبنسة فالموت لهم كل يومى خميس وجمعة رحمة لهم، خاصة أن الموت فى (الويك إند) له مميزات جمة حيث الناس فى أجازة وسيجد المتوفى من يدفنه ويوصله لقبره بعيدا عن زحمة المواصلات، ويمكن يموت وياخد كفن هدية أو يمنح مدفنا بحجم عائلى لو كان السواق معاه أسرته بالكامل وربنا افتكره هو والعائلة الكريمة، حقيقى علينا أن نسعد ونبتهج بحكومتنا الجميلة التى قررت للفقراء موتا مريحا يومى الخميس والجمعة من كل أسبوع والعرض ممتد طوال موسم الصيف وأرواحنا جميعا فداءً لإخواننا سكان مارينا العظماء.