مدينة «بل جاردن» مدينة صغيرة.. تعداد سكانها يقرب من أربعة وأربعين ألف نسمة وهى تقع فى جنوب شرق مقاطعة «كاونتى» بلوس أنجلوس.. لها عمدة ومجلس مدينة يتم انتخابهم بالانتخاب الحر المباشر كلما حل موعده.. وشأنها أيضا شأن غيرها من المدن يعيش فيها أجناس مختلفة نزحت قديما أو حديثا من أقطار ودول مترامية مع تفاوت نسب هذه الأجناس.. ففى هذا الجزء الصغير من ولاية كاليفورنيا يفوق الجنس «اللاتينى» القادم من أمريكا الجنوبية - خاصة المكسيك- غيره من الأجناس الأخرى عددا. على صالح من أصل لبنانى.. ولد على الأراضى الأمريكية وترعرع فى هذه المدينة الصغيرة، وصار له أصدقاء ومعارف وعمل ناجح.. قرر هو وصديق له أن يرشحا نفسيهما فى انتخابات مجلس المدينة فى العام الماضى.. وقد تصورا أن الوقت قد صار مناسبا لهما لاقتحام السياسة بعد أن ظهر فى الأفق «أوباما»، الذى استقطب عشرات الملايين من الأصوات رغم لون بشرته السوداء، واعترافه بتبعيته للدين الإسلامى.. فصار قدوة لهما وحافزا قويا لخوض المعركة. منذ ثلاثين عاما، كانت الانتخابات فى الولاياتالمتحدة تتسم بالنظافة النسبية فى جو تسوده الديمقراطية.. وبمرور الأعوام تغيرت الحال بعد أن ازداد عدد المهاجرين من نفايات الشعوب.. فقد استعمل فى هذه المعركة نوعية جديدة من الأسلحة، اتسمت بالخروج عن القانون والأخلاقيات وآداب التعامل بين الناس، بالخوض الوقح فى الأديان والأصول. فقد بدأت المعركة بلافتة كبيرة ورسم لجسد ضخم يعلوه رأس «على» وبجانبه العبارة التالية «الإسلام سوف يسود العالم».. وعلى نفس اللافتة صور العراقى «مقتدى الصدر» وحريق «مركز التبادل التجارى العالمى» وصورة لإرهابيين ملثمين ممسكين بأحد الضحايا قبل قتله إشارة إلى أنهم عرب يفتقدون أقل مبادئ الشفقة والرحمة.. ومكتوب فى قاع اللافتة «لا تنتخبوا مسلمين لمجلس مدينة بل». وهو ما دفع عضو الكونجرس عن الدائرة، التى تتبعها هذه المدينة إلى الاعتراف فى الصحف بانزعاجه الشديد من هذا الإعلان المناهض للإسلام.. أما «على» فبعد أن أنفق ما أنفق من المال والوقت، لم يشفع له أنه ولد على هذه الأرض وكافح حتى ينجح.. فقد صرح بأنه لم يكن أبدا يتوقع مهاجمة الجالية اللبنانية الأمريكية المسلمة بهذا الأسلوب المتدنى. أما فى سوق العمل، فالجنس الأسود له الأولوية ثم يليه النازحون من أمريكا الجنوبية، خاصة المكسيك.. وهم يحصلون على أى عمل يتقدمون له بغض النظر عن كفاءاتهم.. ومما يدعو إلى الدهشة أن «فيلاريجوزا» عمدة لوس أنجلوس قد التقى به أحد قيادات كنيسة للأمريكان الأفارقة ويدعى «فردريك ميرف»، وقال للعمدة: «نحن لا نريد أن نرى أى أمريكى أفريقى يفصل من العمل أو يستقيل» وكان هذا بمثابة أمر أو تهديد مباشر مقابل تأييده فى الانتخابات العامة.. وقد تسرب هذا الاتفاق لصحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، ونشر بتاريخ 30 أكتوبر 2007 ولم يحرك أحد ساكنا. ومنذ سبتمبر المشؤوم، بدأ أولاد الجاليات النازحة من منطقة الشرق الأوسط يعانون من قلة الفرص المتاحة لهم رغم كفاءاتهم العالية وقدراتهم المتعددة.. فقد تعلم الأمريكان على اختلاف أجناسهم أن يتعرفوا على كبار السن من أبناء الجالية الشرق أوسطية من لكناتهم.. وعلى صغار السن من أسمائهم.. ولن ينسى الجنس الأسود ما حدث منذ عدة قرون، حين كان العرب يتصيدون الأفارقة ويرسلونهم مكبلين بالأغلال إلى أمريكا ليعملوا عبيدا ... ولن تنسى بقية الأجناس ما حدث فى سبتمبر سنة 2001 على أيدى الإرهابيين ومعظمهم من العرب. فمتى ننتصب من كبوتنا.. ونفيق من غفلتنا.. ونصير يدا واحدة أينما حط الرحال.. دون فرق بين مسلم ومسيحى أو شيعى وسنى.. فتكون لنا القوة الآمرة والسطوة المؤثرة؟! الله قادر على كل شىء. [email protected]