إذا كنت مثلى عزيزى القارئ تبحث عن إجابة لسؤالك: «إشمعنى انت اللى الدنيا دايما بتديك على قفاك»، فأنصحك بمشاهدة «دكان شحاتة»، رائعة خالد يوسف والمؤلف ناصر عبد الرحمن، فستعرف أنك لست وحدك.. وإذا كنت مثلى تتساءل إلى متى ستظل تضحى بهذا القفا الغالى شهيد الواجب، فاطمئن، لأنك بعد مشاهدة الفيلم ستوقن أنك طالما سايق فى الطيبة وحسن النية يبقى يستحسن تروح تلمع قفاك زيادة.. و لأننى لست متخصصة فى النقد الفنى، فأنا لن أتكلم عن الفيلم من منطلق الإسقاط السياسى أو الرموز والأفكار المتقوقعة فى القوقعة المقوقعة رغم أن الفيلم ممتلئ بهم.. كما أننى لن أتناوله كما تناوله البعض من منطلق تكنيكى تكتيكى بيزنطيكى متوازى مع البؤبؤ الاستراتيجيكى. ولكنى سأتحدث عن الفيلم على مزاجى.. ببساطة.. ومن منطلق الزاوية التى أعجبتنى ودخل بها قلبى.. والجديد فى هذا الفيلم أنه متوازن فهو لا ينتمى لعائلة الأفلام التى ظهرت على مدى عامين و أقسمت برأس أبيها أن تنقل لك مختارات من الواقع المؤلم بإفراط فى الواقعية فتخرج من الفيلم وأنت كاره العيشة واللى عايشينها.. على العكس، هذا الفيلم «سكره مضبوط».. فأنت ترى صورة جميلة وممثلين أجمل وتسمع غناء عذبا، وتشم عبق الريف الصعيدى وأصالته وتلمس البراءة الفطرية وتبتسم لها وترى القهر وتتألم له.. فتجد نفسك فى النهاية أن المخرج قد حملك على كفيه فى رقة شديدة فأضحكك وأبكاك وأيقظ فيك حلاوة الشعور بالحب ومرارة الحرمان منه وذكرك بلحظات ظلمتك فيها الدنيا وأسمعك من مواويل المبدع جمال بخيت ما يهون عليك بلوتك.. الصدق والتفانى هو أكثر ما ميز العمل.. ستشعر وأنت تجلس فى مقعدك أن خالد يوسف حجز لك مكانا على الشاشة فكأنك تركت مقعدك وأصبحت تجلس هناك معهم فى قلب الأحداث.. فأنت تشعر مع دفء العملاق محمود حميدة أنه أبوك، خاصة أن له مشاهد كثيرة ستعيدك لأحلى ذكريات طفولتك.. وحينما ينطلق الرائع عمرو عبد الجليل فى إفيهاته ستقع أمامه من الضحك وحينما يفاجئ شقيقته بالضرب ويفترى هتبقى عايز تتدخل تحوشه عنها، وحين ترى غادة عبد الرازق وهى تلطم وتولول ستشعر أنك هترقع بالصوت معها.. وحينما يبكى المتألق عمرو سعد ستبكى معه وحين تراه فى قهره ستشعر أنك تطبطب عليه.. أما بقى حينما يغرق فى الشقاوة والدلع مع هيفاء وهبى سيتملكك الحسد والحقد على ابن المحظوظة! والمفاجأة التى تنتظرك أنك ستفرك عينيك كثيرا أثناء الفيلم كى تصدق أن تلك الفتاة المقهورة المحجبة ذات الأداء الرائع هى ذاتها هيفاء وهبى المثيرة التى نعرفها.. هذا الفيلم بلغ درجة قصوى من الصدق فى الأداء، فمن كان مطلوبا منه أن يجعلك تحبه ستحبه من قلبك، ومن كان مطلوبا منه أن يجعلك تكرهه ستكرهه من قلبك.. منتهى التفانى فى الأداء حتى إننى بعد أن شاهدت الفيلم فى العرض الخاص ثم رأيت أبطاله بعد نهاية العرض لم أستطع أن أمنع نفسى من عدم التصديق أن من كانوا منذ دقائق على الشاشة أمامى هم أيضا الموجودون معى فى القاعة وهم فى منتهى الجمال والأناقة! ببساطة، أعتقد أن قوة القصة فى الفيلم تكمن فى أنها قصة كل واحد فينا.. كل واحد فينا صادفه من حقد عليه حقد الموت وتمنى أخذ ما لديه.. كل واحد فينا صدم فى شخص ما كان يظنه أقرب الناس إليه.. كل واحد فينا فى ركن من قلبه يرقد هذا الحبيب الذى ظل يتمناه لسنوات طوال، ولكن انهزم الحلم.. كل واحد فينا بدأ حياته بلستة طويلة عريضة من الآمال ولكن «شلاليت» الدنيا بهدلته بعد أن خرج من حضن أمه وأبيه.. وفى نهاية العرض ستكتشف أنك أحببت الفيلم.. وأن سر حبك للفيلم هو أن شحاتة بداخلك.. وأن الدنيا من حولك هى دكان شحاتة..متنساش تلمع القفا.