لست من الركاب الدائمين لمترو الأنفاق، ولكنى أستمع يوميًا من موظفين معى عن حكايات وروايات عما يشاهدونه ويحدث لهم فى مترو الأنفاق، أحيانًا كنت لا أصدق بعضًا من هذه الحكايات، وأتصور أن هناك مبالغة فيها، خاصة أننى أعرف أن لهذا المترو محطات بها مداخل ومخارج يمكن بسهولة ودون إجراءات كثيرة أو إمكانيات كبيرة، أن يتم التحكم فى كل ما يجرى تحت الأرض، وأنه كانت هناك فى بداية الأمر شركة فرنسية علمت ودربت موظفين وعمالاً على كيفية التعامل مع هذه الوسيلة المحترمة من وسائل النقل التى يعول الغالبية العظمى من سكان القاهرة الكبرى عليها للانتقال من مكان إلى آخر بيسر وسهولة، كذلك فإننى متأكد من أن هؤلاء السادة المسؤولين الكبار الذين عينتهم الدولة ليديروا هذا المشروع القومى المهم، قد زاروا العديد من العواصم العالمية التى تستخدم مترو الأنفاق، وكيف هو هناك آية فى النظام الدقيق والنظافة والعناية بكل تفاصيل استخدامه.. وبالتالى فإننى أتصور أنه لا حجة لهؤلاء المسؤولين فى ترك الأمور بهذا المرفق الحيوى لتصل إلى ما وصلت إليه، خاصة على الخط الأول لهذا المترو. لقد سمعت من موظفات وموظفين يعملون معى حكايات لا تملك عند سماعها إلا الشعور بالصدمة والإحباط لمدى معاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة فى هذا البلد، والذى يتأكد فيه كل يوم مدى بُعد المسافة بين المسؤولين الكبار وبينهم.. فالحكايات لا تنتهى بداية من عمل الاشتراك الشهرى وقطع التذاكر وحتى يجىء فرج الله ورحمته بالنزول من المترو، ألخص بعضها فقط فى النقاط التالية: 1- الإصرار من مسؤولى الاشتراكات على إحضار طالب الاشتراك لأوراق رسمية من جهة عمله تفيد بأنه معين وليس متعاقدًا لعمل الاشتراك المخفض، والغريب أن هذا يحدث فى دولة يصرح رئيس حكومتها مرارًا وتكرارًا ومنذ سنوات طويلة بأن زمن التعيين قد انتهى وأن العمل الآن كله بعقود! 2- يعطى صاحب الاشتراك تذكرة للدخول والخروج بها يفترض أنها صالحة طوال مدة الاشتراك، ولكنها فى الواقع المزرى الذى نعيشه، يصيبها العطب منذ أول أيام استخدامها، وصعوبة استبدالها، وبالتالى حدوث مشاحنات ومضايقات ومساومات مع الموظفين الواقفين على ماكينات الدخول والخروج طوال اليوم، لأن تغيير التذكرة يستدعى دفع رسوم، ولا تعرف أين العيب، هل هو فى الماكينة أم التذكرة؟! 3- ينتظر الراكب عادة مددًا ليست معلومة، وعلى الخط الأول للمترو ينتظر الراكب فترة قد تصل إلى 15 دقيقة أحيانًا بين كل قطار والآخر، وفى أحيان كثيرة لا يستطيع الركوب، وبالتالى فعليه انتظار 15 دقيقة أخرى ليصل عمله متأخرًا ومهمومًا ليواجه بجزاء التأخير عند بوابة عمله! 4- فى الخط الأول للمترو هناك مراوح للتهوية، ولكنها للزينة فقط ولا تعمل، لذلك فإن البهوات من رجال الشرطة مثل المساعدين والأمناء يركبون كابينة السائق المكيفة، وبالطبع لا يجرؤ أحد على الاعتراض! 5- التسول وما أدراك ما التسول فى المترو! جميع أشكال الشحاذة تجدها فى مترو أنفاق القاهرة، يقوم بها أطفال وشباب وشيوخ، وتتنوع طرقها ما بين من يحكى مأساته ومرضه، أو يرمى ورقة إليك بها قصة مفبركة عن بؤسه هو وعياله أو من يستخدم الآيات القرآنية والأحاديث التى تحث على مساعدة المحتاج، أو من يظهر عاهته ومرضه وسط زحام الناس.. فهذا رجل يده مبتورة وتلك فتاة شوهتها الحروق، وذلك رجل يمشى وسط الناس وهو يمسك زجاجة محاليل وإبرة فى ذراعه، وهذه ترمى فى حجر كل جالس مناديل ورقية أو قطعًا رديئة من الحلوى وتريد ثمنها عنوة.. وأشياء كثيرة يندى لذكرها الجبين! 6- تحول مترو أنفاق القاهرة إلى سوق الخميس فى القرية.. فكل ما تريد شراءه هناك من يبيعونه فى المترو!! كانوا فى الماضى فى «تروماى شبرا» يبيعون التوك والأمشاط والفلايات، أما الآن ففى مترو أنفاق القاهرة هناك من يعرض عليك الساعات والميداليات والشرابات والملابس حتى الداخلية منها! 7- الدعوة إلى الإسلام فى أشد صورها جهلاً وبعدًا عن الحكمة والموعظة الحسنة تجدها أيضًا فى مترو أنفاق المحروسة.. أحيانًا يقوم بها رجل ملتح يمسك ميكروفونًا ويظل يخطب فى الناس ولا يتقن إلا أساليب الوعيد والترهيب.. وأحيانًا سيدة لا هم لها فى الحياة إلا دعوة للنساء للانتقاب والاحتجاب وعدم التعامل مع الرجال.. وهنا من هو أكثر جرأة ووقاحة ويدعو المسيحيين إلى الدخول فى دين الإسلام حتى ينجوا من النار! 8- لا ندرى على أى أساس تم تخصيص عربتين فقط للسيدات فى كل قطار، وهل تم هذا على أساس إحصائى علمى أم هو شىء بالتقريب.. ومن هو العبقرى الذى قرر - على أثر حادثة عابرة - أن ينقل عربتى السيدات وسط القطار بدلاً من أوله أو آخره فيسهل التعرف عليهما، ففتح الباب لمشاحنات وملاسنات لا أول لها ولا آخر!! المجال أضيق من أن أعدد كل مظاهر الإهمال والتسيب وقلة النظافة والنظام والاحترام، ولكنى فقط كنت أتمنى أن تشمل زيارة السيد أوباما رحلة بمترو أنفاق القاهرة من المرج إلى حلوان، حتى كنا نرى ونتأكد من أن فرض النظام والنظافة والتمدين فى المعاملات واحترام آدمية الإنسان المصرى ممكنة، وفى أقل وقت.. ولذلك فإن من حقى أن أسأل، لماذا لا ينحى كل هؤلاء المسؤولين عن إدارة وأمن هذا المرفق الحيوى فورًا؟! أم أنه أصبح من الصعب الآن العثور على قيادات على درجة عالية من الكفاءة، وقبل كل شىء تحمل حبًا للمواطن المصرى واحترامًا لآدميته وحقه فى حياة كريمة.