ماذا لو قرر الرئيس الأمريكى باراك أوباما أن يغير غدا خط سيره إلى جامعة القاهرة التى سيلقى منها خطابه إلى العالم الإسلامى، فيقرر عبور كوبرى ثروت ليحط الرحال ب«أبوأتاته» وصفط اللبن؟ سؤال نميس طرحه صديقى الكاتب الجميل عماد الدين حسين فى عموده بجريدة الشروق، فكان سبباً لأن أجدد العهد بأبو أتاته وصفط اللبن بعد انقطاع دام منذ نهاية سنوات الدراسة الجامعية الغراء، كنت راغباً فى أن أشاهد التغييرات التى ستحدثها أجهزة الدولة فى المنطقة تحسباً لذلك الافتراض الخبيث، لكننى اكتشفت أن الدولة قررت أن تكتفى بزيارة أجهزة الأمن المختلفة للمنطقة التى يدعو سكانها على اليوم الذى قرر فيه أوباما أن يزور جامعة القاهرة، ليس كراهية منهم لطلعته البهية، بل لأنهم يعلمون أنه لو فرقعت أنبوبة بوتاجاز خلال تواجده بالقرب منهم سيكون يوم أسود على كل ربة بيت ورب أنبوبة منهم. قال لى صديق صفط لبنى متندرا إن أهالى المنطقة المحيطة بجامعة القاهرة من بين السرايات وإنت طالع حتى أول فيصل ومن صفط اللبن وإنت نازل حتى جنينة الأورمان، سيتم منعهم وقت الزيارة من إطلاق الروائح المسموعة والمشمومة، لكى لا تلتقطها أجهزة الأمن الأمريكية العاتية فى حال انطلاقها صدفة أو بعد تخطيط مسبق، فاكتشفت أن صديقى وكل من سألتهم قلدوا أجهزة الدولة فى عدم أخذ افتراض عماد بجدية، ربما لأن عماد العابث لم يطرحه أساساً بجدية، بينما لو تتبع الجميع أخبار أوباما منذ تولى الحكم لعرفوا أن افتراض اقتحامه لصفط اللبن أقرب مما نتصور، فالرجل معروف بحبه لكسر الجداول المعدة له سلفاً دون اكتراث بالإجراءات الأمنية، فعل ذلك مراراً وتكراراً، آخرها ما شاهدته على برنامج «إنسايد إيديشن» الشهير الذى تبثه قناة إم بى سى 4، حين زار أوباما فجأة مطعم برجر شعبيا فى واشنطن ليفاجأ الرواد به وسطهم ينتظر دوره للحصول على سندوتش برجر خس زيادة ومن غير مايونيز، قلت فى عقل بالى وأنا أشاهده: ماذا لو ضربت فى دماغه خلال زيارة جامعة القاهرة وقرر أن ينعطف يميناً لكى يضرب سندوتش سجق أو طبق مكرونة فرن عند «صبرى» أشهر مطعم يعرفه طلاب جامعة القاهرة جيلا وراء جيل، لن أشكك فى قدرة حريفة صبرى على منافسة «الإستاندارد» الأمريكى، لكن لحم اكتافى يجعلنى أتمنى ألا يحدث ذلك الافتراض لأن إصابة أوباما بأى انتفاخ لن تكون فى مصلحة صبرى ولا سندوتشاته ولا مصلحة مصر كلها. بالأمس نبهنى صديق أبوأتاتى إلى أن نظام الحزب الوطنى المبارك أنمس من كل الافتراضات، وأنه طنش افتراض عماد ليس نكاية فى شخصه، بل لأنه قادر على أن «يتعامل» مع أى تغيير أوبامى مثلما تعامل مع أى أمل فى التغيير طيلة الثلاثين سنة الماضية التى عدت علينا كده «تخيل الإشارة التى أقصدها بمعرفتك»، وكما أقنع النظام أوباما أن من سيحضر خطابه هم صفوة العقول المفكرة الحرة، مع أنه لن يحضره أحد لو كان على خالة مراة عمته تحفظ أمنى أو لو اشتهر أن عمة جده كان لها يوماً ما رأى حر، فبناء عليه لو قرر أوباما أن يزور أبوأتاته وصفط اللبن «فأجه» سيسمح له النظام بذلك دون أن يكنس شارعاً أو يشيل كوم زبالة، وسيخبر أوباما بهدوء أنه الآن يزور أول معمل تجارب مفتوح فى تاريخ العالم، تم تدشينه بالقرب من الجامعة لكى يسهل على طلاب الطب والاجتماع والاقتصاد والتخطيط العمرانى عبور شريط السكة الحديد وممارسة تجاربهم العملية على الحالات البشرية التى تسكن فى المعمل، وبالطبع سينبهر الرجل وربما عاد إلى أمريكا ليطلب إقامة منطقة عشوائية فقيرة إلى جوار جامعة هارفارد. قلت لصديقى عندا فيه: طيب هيحصل إيه يا حلو لو قرر أوباما أن يزور القرية الفرعونية ثم قرر بعد خروجه منها أن يتمشى حتى كوبرى عباس وشاهد كميات المخلفات الآدمية الشنيعة التى تمتد على طول السور وبعضها كما تعلم يرقد متحجرًا هناك من سنين، فقال لى: بسيطة، فى دقائق سيكون إلى جوار أوباما كل من محافظ الجيزة والدكتور زاهى حواس لإعلان افتتاح أول متحف فى الهواء الطلق للمخلفات الفرعونية. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]