فى واحد من برامج التليفزيون التى يسمعها الملايين، سألت سيدة عما يمكن أن تفعله مع عفريت يركبها منذ فترة، وعما سوف يكون عليه حالها لو كانوا عدة عفاريت، وليس عفريتاً واحداً.. وقالت وهى تشرح على مسمع من الناس، فى قناة خاصة، إنها ذهبت تستفتى إحدى قريباتها، التى تتصدى للسيدات فى مثل هذا الموضوع، فأخبرتها بأنهم فعلاً مجموعة، ولم يكن أمام فقيه البرنامج، الذى كان يتلقى الأسئلة، منها ومن غيرها، إلا أن يسألها ساخراً عن العدد بالضبط: هل هو عشرة.. خمسة.. ثلاثة؟! وقد ارتبكت المسكينة، ولم تعرف بماذا عليها أن تجيب، لأن آخر ما كانت تتصوره، أن يأتى عليها وقت، يكون مطلوباً منها فيه أن تحصى العفاريت التى تركبها، وتستعرض أسماءهم، وربما أوصافهم وأشكالهم، وهيئة كل واحد على حدة! ولو أنك جربت أن تفتح التليفزيون، ثم تقارن فى نظرة سريعة، بين مثل هذا البرنامج العفاريتى إذا جاز التعبير وسائر البرامج التى تصب فى عقول الجماهير، على مدار الساعة، فسوف تكتشف أن الغالبية من البرامج، تنتهى إلى هذا النوع بشكل مباشر، أو غير مباشر، وأنها إذا لم تكن تنتمى إليه، من بابها، فهى تخصص وقتاً لا بأس به فيها، وتؤجره مفروشاً لواحد من رجال الدين، وتذهب خلاله بالمشاهدين إلى الماضى، ليعيشوا هناك، ليظلوا على قطيعة ليس فقط مع حاضرهم، وإنما مع المستقبل ذاته! وليست البرامج هذا الأيام، إلا موزعة فى أغلبها، بين واحد يتسول المساعدات للمحتاجين والغلابة، وبين آخر يقيم فيه رجل دين، يدعو الناس طول الوقت، إلى «ما قبل» ويقيم حجاباً من الوهم بينهم وبين «ما بعد»، الذى هو الشغل الشاغل للعالم كله، وينهمك معهم فى أحاديث عن الموت وعما سوف ينتظر الإنسان المسلم هناك، وعما سوف يكون، ما بين الموت، وما بين البعث، وكيف تطلع الروح، وكيف تفارق، وكيف ترفرف، إلى آخر ما يجعل المشاهد يعيش فى سعادة زائفة، ويجعله منفصلاً عن الدنيا من حوله، ويعود به إلى قرون مضت، ليبقى فيها، هو وفقيه البرنامج، بينما يتصور كلاهما، أنه يحيا فى العام التاسع من القرن الحادى والعشرين! وقد ذهب رجل ذات مرة، إلى المرحوم الشيخ الغزالى، يسأله عن الطريقة التى يمكن أن يتخلص بها من عفريت يركبه، فضرب الشيخ كفاً بأخرى، وكاد يفقد أعصابه وهو يبادر السائل بسؤال من عنده، ثم يقول والغضب يملؤه: لماذا تركب العفاريت المسلمين وحدهم؟! وحين لا ينجو تليفزيون الدولة من هذا الوباء، الذى لا يفرق هذه الأيام بين قناة عامة وقناة خاصة، وحين تغيب عنه رسالة «نور على نور» زمان، للراحل المستنير أحمد فراج، وحين ينخرط فى طريق التغييب، تصبح المأساة مضروبة فى ألف!