ويغضب الذى فى بطن أمه لغضبهم

غضب الشباب، الذى انفجر فى وجوهنا جميعاً فى شارع «محمد محمود»، كان أقسى علينا من مرارة الصبار، نتجرع أيامنا صبراً، اصبر على جارك السوّ، شبابنا منحورون، نُحِروا بدم بارد مرات، وهاهم يُنحرون من جديد، لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، حكمة، ولكن من يلقى بمن فى الهلاك المبين؟!.
لا تثريب على الغاضبين إن تمسكوا بالعروة الوثقى، جادة السبيل فى التعبير عن غضبهم، يسبق الحلم الغضب دوماً فى نفوس المؤمنين بالثورة السلمية، يصمت الغضب مفسحاً طريقه للحلم، والحلم سبيل العقل، أفلا تفكرون؟!، بأيكم المجنون الذى ينهى شاباً إذا تشظى. قطعاً هناك فائض غضب عام، غضب قومى، مكبوت، ما يلبث أن ينفجر مخلّفاً جراحاً عميقة فى جسم الوطن، تزلزل ثوابته، وتشوه معانيه، لا يتبقى بعد الغضب سوى نفوس منهكة، كسيرة، وحروف شائهة متكسرة، الغضب أعمى، لا يُبقى ولا يذر، الغاضبون لا تمنعهم ولا تردعهم قوات أمن، تردهم كلمات صالحات طيبات تتسلل للآذان المصمتة، تفتح كوة فى حائط الصد، حائط «محمد محمود» الذى فيه يثورون ويغضبون، ويغضب الذى فى بطن أمه لغضبهم.
مصر حُبلى بغضب فظيع، هناك من اغتصبوا الحلم، احتكروه لأنفسهم، تركوا الشارع فريسة للغضب، لكتابات الغضب، لفضائيات الغضب، الأقباط غاضبون، والمعارضون غاضبون، والموظفون غاضبون، والعاطلون غاضبون، والعمال والفلاحون غاضبون، غار ماء الرضا فى بئر الوطن، ما لهذا البلد صار غضباً على غضب؟!، ما له ينفجر تحطيماً وانتقاماً، وما تحمله البطن المصرية غضباً مروعاً نلمسه فى الأعصاب الشايطة فى إشارات المرور، والتدوينات الناقمة على شاشات الحاسوب، التفاعلى فى الصحف صار نهراً من الغضب!، غاضبون.. غاضبون.. غاضبون.
ما تعانيه مصر الآن فائض غضب، الغضب ملأ النهر وفاض، سيغرقنا جميعاً، كلنا فى الغضب سواء، كلنا غاضبون، لا أحد يرضى، شاهت علامات الرضا وغارت من الوجوه، وجوه عليها غبرة، ترهقها قترة، كلمات الرضا والحمد لا تنبت على الشفاه، ما تلفظه الأفواه الغاضبة فظيع، إنكار، تشكيك، تقزيم، تخوين، عمالة، إخوانى، سلفى، علمانى، ليبرالى، اشتراكى، بكل ألوان الطيف يغضبهم حال البلد.
فائض الغضب هو ما نواجهه الآن، فائض قلة القيمة، فائض عدم التحقق، فائض جَلد الذات، تنويعات على غضب، عزف على أوتار الغضب، إنهم غاضبون بجد، بحق وحقيق، لا يمثلون غضباً، بل ينفثون غضباً، حمماً تحرق الأخضر واليابس، ناراً تشوى الوجوه، أخشى فائض الغضب، أخشى ارتفاع موج الغضب، مرعوب من تفشى الغضب، مزاج الوطن غاضب.