منذ اندلعت الاشتباكات داخل اليمن بين الحكومة اليمنية والحوثيين كانت هناك قناعة بوجود «حالة طائفية» تدار لأمر غامض أو بدوافع غامضة، مطالب الحوثيين لم تكن واضحة المعالم، كما كانت أسباب الصدام غامضة لدينا وفى كثير من الدوائر الشعبية. وفى كل الأحوال يبقى أمل العرب فى مثل هذه الصدامات المسلحة الداخلية التى لها أبعاد طائفية أو تهدد الوحدة الوطنية أن يتم استيعابها سريعا أملا فى بقاء اللحُمة وتماسك الجسد الواحد رغم أى اختلافات فى وجهات النظر بحيث لا تصل لتكون «حالة تمرد» تتحول بعدها « لمطالب انفصالية». لا أنكر أن اعتبارات ميولى المعارضة بشكل عام ضد استبداد بعض الحكومات العربية لم تؤثر على ميولى الوحدوية، وأعتقد هكذا حال المواطن العربى .. الذى حزن من الغزو الأمريكى للعراق رغم أى مؤثرات أو انتقادات كانت تتواجد داخل الشعب العربى، ونفس الحال تقريبًا داهمت الوجدان العربى مع احتلال الحلفاء بزعامة أمريكية لأفغانستان، وما يقض مضاجع العرب سوى المعلومات التى تتنامى عن قرب الانفصال فى الجنوب السودانى ذلك الأمر الذى بدا كابوسًا مخيفًا من عشرات السنين حينما كان يبدو فى صورة تقارير مؤامراتية خبيثة للاستعمار، ويكدر مزاج المواطن العربى الحالم بوحدة أمته كل ما يصل لعلمه من تدهور الأوضاع فى دارفور وتحولها لأزمة دولية. هناك أصابع دولية تتربص بنا وتعمل على تقسيمنا أكثر مما قسمنا فى «سايكس بيكو»، لا شك فى هذا ولا مداراة، فليست هذه هرطقات تكرسها نظرية المؤامرة ولكنها باتت وياللأسى حقيقة واقعية ماثلة. كنا ولم نزل نتمنى أن يلتئم الشأن اليمنى وأن يتمكن الأشقاء فى اليمن من حسم أمورهم بطريقتهم بحيث ينتهى الأمر بوحدة يمنية وطنية حقيقية، على الأقل تبقى هذه أمنيات العربى الحالم الذى يبتعد عن حسابات المصالح التى تتعقد بها أجندة الحكام والحكومات أو استقطاب المذهبيات أو رغبات توسعية تغلفها مطالب طائفية. كل هذا يمكن استيعابه والصبر على تفاصيله والرغبة فى التئام جروح أى أمة داخل الأمة العربية الإسلامية الكبرى، سواء السودانية أو اليمنية أو العراقية وهكذا. الشىء الوحيد الذى لا يقبل عربى مسلم وحيد أن يتهدد أيًا كان سبب التهديد أو ذرائعه أو دوافعه هو أمن المملكة العربية السعودية، ذلكم خط أحمر الاقتراب منه يفجر كوامن الغضب فى نفس كل عربى مسلم. من نافلة القول أن نذكّر بتماس الحدود السعودية اليمنية، وأن ذلكم يسوّغ للسلطات فى كلا البلدين مراقبة الأمن فى تلك الحدود المتماسة المتشابكة وقد بدا ذلك من الإجراءات التى اتخذتها السلطات السعودية فى وقت مبكر من تلك الاشتباكات المحتدمة بين القوات اليمنية والحوثيين من إخلاء القرى المحاذية للحدود اليمنية لكن المثير للانتباه ما أعلنته مصادر الحوثيين سيطرتهم على موقع داخل الأراضى السعودية!! فلكم أمر غريب غير مفهوم من المواطن العربى ؟ ما علاقة الأراضى السعودية بحرب داخلية بين حكومة يمنية وبعض مواطنيها من الشيعة الحوثيين؟ لم يعلنوا عن احتلال موقع سعودى؟ الحسبة فى ذلك واضحة للعيان إنها إذا حرب طائفية تحركها مصالح أو قوى دولية إقليمية!! لا أظن أن مشكلة حقيقية بدت بين السعودية والإخوة الزيديين فى اليمن، فعلاقات السعودية على اختلاف ملوكها الذين تبوءوا الحكم فيها كانت دافئة مع زيدية اليمن حتى فى ظل نظام يمنى زيدى أيام حكم الإمام بل ما يتردد أيضًا أن الرئيس اليمنى الحالى على عبدالله صالح هو أيضا شيعى زيدى، فالمذهب الزيدى له حضور فى اليمن ولم نلحظ على مدى السنين وجود حزازات مذهبية بين الشيعة الزيدية والسنة. فالمشكلة- برأيى- تتعلق بتهديدات أطلت برأسها فى الأزمة اليمنية الداخلية الأخيرة تعلقت بتحرش قوات المعارضة الحوثية بالأراضى والجنود السعوديين ومحاولة جرها لهذا النزاع لحسابات إقليمية تتعلق بالموقف من إيران، هكذا فهمت تفصيلات ما يجرى وأزعجتنى جدًا تلك المعلومات والعبدلله مسلم عروبى يميل إلى التقارب بين المذاهب، لكن أمن السعودية وفيها ما فيها من المقدسات الإسلامية فى مكة والمدينة وغيرهما، وقيامها على أمر المناسك وصونها كل ما يتعلق بالحرمين الشريفين ووصول المسلمين لتأدية المناسك بشكل طبيعى لا مرية فيه ولا منازعة. محال أن نقبل لأحد أن يجرنا لمواقف محرمة لا نرضاها ولن نقبل أن تحدث داخل المملكة السعودية بإعطاء الفرصة لغير السلطات السعودية بالتصرف داخل أراضيها تحت ذريعة حماية حقوق الأقليات واحترام الحريات، هناك معلومات تتردد بالرغبة فى تحويل الزيدية من مذهبهم الزيدى إلى الإثنى عشرية ولو صحت تلك المعلومات ستتأكد رؤيتنا بخصوص تعلق الصراع الحالى بتوجهات دولية وإقليمية تتعلق باختلاف المواقف الإيرانية السعودية وآخرها رفض السعودية استقبال متكى فى الرياض. نتمنى من حبات قلوبنا توفر القدرة على استيعاب هذه الحرب الخطرة، فى ظل توافق عربى مسلم يرعى المصالح الخاصة للأمة بعيدًا عن حركات الاستقطاب الإقليمية أو الدولية، لكن فى كل الأحوال حمى الله بلاد الحرمين من كل سوء وشرور.