فى لقائه مع أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى، نصحهم الرئيس مبارك بعدم الاستماع للمعارضة التى تطلب تغيير الدستور، لأن لها أهدافا أخرى، وأضاف: إننا لن نلعب معهم هذه اللعبة، حفاظا على الشعب!! وكنت أتمنى أن أعرف أين هى تلك المعارضة؟ وأى معارضة يقصدها الرئيس بالضبط؟ وما هى الأهداف الأخرى للمعارضة؟ وما أبعاد اللعبة؟ وهل اتهام المعارضة بأن لها أهدافا أخرى يعد منهجا جديدا للنظام، خاصة أن الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، استخدم مصطلح «الأهداف الأخرى» فى وصفه للمعارضة أثناء كلمته خلال المؤتمر الأخير للحزب الوطنى؟. ثم ما معنى كلمة الديمقراطية إذا كان الرئيس ينصح نواب الأغلبية بعدم الاستماع للمعارضة أصلا بدلا من الدخول معهم فى مناقشة موضوعية تنتهى بنتيجة؟ أنا مثلا من الملايين المطالبين دائما بضرورة تعديل المادة 77 من الدستور، الخاصة بمدة الرئاسة، لتصبح مدتين رئاسيتين كحد أقصى لكل رئيس.. وهدفى من ذلك إفساح الطريق لتداول السلطة، وهو هدف جميع المطالبين بتعديلها.. ولا شك أن الإصرار على هذه المادة ليس إلا رغبة فى الاستئثار بالسلطة مدى الحياة.. وعلى الناس جميعا أن تحكم بين الفريقين، وأن تقرر أى الرأيين أسمى وأنبل، وأيهما أكثر قبولا لدى السواد الأعظم من المواطنين؟ وأنا أيضا – مثل ملايين غيرى - أجد فى المادة 76 المعدلة بالدستور عوارا لا حدود له، وينبغى إصلاحها وإعادتها لنصابها الصحيح، بعد أن أدى تعديلها وتفصيلها على مقاس معين لأن تصبح أطول مادة دستورية فى العالم، ولا أشك لحظة فى أن أى مواطن حر لديه قليل من حكمة وعقل يرفضها.. ورغم ذلك يصر عليها النظام.. فأى الرأيين أحق أن يتبع؟ ولأننى على ثقة تامة أن غالبية الشعب المصرى يرغب فى تغيير هاتين المادتين، أتعجب جدا من الطريقة التى يتبعها النظام فى الحفاظ على الشعب .. فكيف يكون الإصرار على مادتين دستوريتين مرفوضتين من الشعب حفاظا على هذا الشعب؟ وإذا كانت رغبة النظام فعلا هى الحفاظ على الشعب فلماذا لا يستجيب لرغبة السواد الأعظم من الشعب ويعدلهما؟ وإذا لم يكن الشعب هو صاحب القرار فى دستوره، فكيف يتجرأ النظام بالادعاء أننا نعيش فى زمن الديمقراطية؟ والذى أود أن أعرفه من الرئيس، وكنت أتمنى أن يسأله له أى من أعضاء الهيئة البرلمانية المصفقين دائما.. هو أين تلك المعارضة فى ظل النظام الحاكم الحالى؟ لدينا الآن أحزاب شرعية يعجز المرء عن حصر عددها، ولايدرك أعتى السياسيين حتى أسماءها.. فكلها مجمدة ومحفوظة.. لا دور لها.. ولا يرد فى مخيلتها مجرد الحلم باعتلاء منصة السلطة يوما بسبب نفس النظام.. وغالبيتها ليس لها تمثيل برلمانى، وقليل منها ممتن لجلوس واحد أو اثنين أو ثلاثة من أعضائه على كراسى البرلمان ولو بالتعيين.. وأكاد أجزم أن غالبية الأحزاب المعارضة لا تفكر فى خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، بل إنها لا تملك فى صفوفها من يصلح لهذه المهمة أو يقدر عليها.. فاقتصرت المعارضة على فصيل الإخوان المسلمين الذى يوصف عادة بالمحظور لعدم شرعيته.. ورغم ذلك نال 88 مقعدا بمجلس الشعب فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وفضح المرشد العام للإخوان المسلمين النظام وفضح نفسه أيضا، حينما أعلن منذ أسابيع قليلة ب«المصرى اليوم» أن نجاح نوابه كان بمقتضى صفقة مع النظام!! وحينما رد أحد أركان النظام المهمين قال إنها غلطة لن تتكرر!! بل إن زعيم كتلة نواب الإخوان بالمجلس الدكتور حمدى حسن زاد من الشعر بيتا فى برنامج «صباح دريم» يوم الثلاثاء الماضى حينما أوضح تفاصيل أكثر فى الصفقة، وقال إن النظام طلب من الإخوان التوقف عن المطالبة بالإصلاح السياسى مقابل ترك مرشحى الإخوان ينجحون فى دوائرهم خلال الانتخابات البرلمانية السابقة.. والغريب أنه هو نفسه وفى نفس المداخلة استنكر أن تسلك الأحزاب الشرعية نفس المسلك!! هكذا اكتملت الصورة.. فلدينا نظام يزعم أنه ديمقراطى ويتهم المعارضة بأن لها أهدافا أخرى لأنها تطلب تعديل الدستور، بل ويرفض مجرد الاستماع لها.. ولدينا إخوان يظهرون أمامنا بأنهم الطرف الأضعف والمغلوب على أمره.. والإثنان معا شركاء يتفقان على الشعب من خلف ظهره، ويعقدان الصفقات المشبوهة من تحت الترابيزة بعيدا عن رأى هذا الشعب، وإهدارا لحقه فى أن يختار.. فأى نظام نعيش فى ظله؟ وأى عاقل يمكن أن يصدق أن لدينا مثقال ذرة من نزاهة؟ الكارثة الحقيقية أننا مقبلون العام القادم على انتخابات برلمانية، والعام بعد القادم على انتخابات رئاسية.. ولا ألمح فى الأفق، ولا فى كلام رجال النظام أى نقطة ضوء فى نهاية ذلك النفق المظلم الذى نمر فيه منذ زمن طويل.. فالخطاب الإعلامى الرسمى للنظام الحاكم يعكس إصرارا على الاستمرار فى نفس الطريق الذى يسير فيه دون أى تغيير ولو طفيفاً.. ولا يشعر بكل هذا الضيق المتراكم والمتزايد ضده.. بل إننى أشعر أن هذا التراشق الإعلامى الحالى بين النظام والمعارضة الإخوانية يعد غطاء لمفاوضات تتم بين الطرفين على ما سيحدث فى الانتخابات القادمة.. ولدينا أحزاب سعيدة بشرعيتها تكتفى بالنوم فى العسل، ويستمتع قادتها باللقاء مع الرئيس فى المناسبات الرسمية وربما تناول الإفطار معه فى تلك المناسبات، ويرضون بما قسمه لهم النظام، ولا مانع لديهم من لعب دور «المحلل» له إذا لزم الأمر. هل هذا المناخ السياسى العام يعطى أى انطباع بأن ثمة إصلاحاً قادماً فى الطريق؟.. إنها حقا لعبة لا تخصنا بين النظام والإخوان.. دعونا نحن نهتم بمباراة مصر والجزائر! [email protected]