«المال السايب يعلم السرقة».. حقيقة مجسدة على أرض الواقع فى سيناء، فبعد أن غاب القطار عن سيناء نحو 33 عاماً، وبالتحديد منذ عدوان يونيو 67، الذى كان يعرف بقطار الشرق السريع الرابط بين آسيا وأفريقيا عبر قناة السويس، قامت وزارة النقل والمواصلات بإنشاء كوبرى الفردان للسكك الحديدية، وكان المخطط أن يبلغ طول خط السكة الحديد 225 كم من الإسماعيلية مروراً بالعريش وحتى رفح، ويتضمن الخط 13 محطة. تشير الإحصائيات الخاصة بالسكة الحديد إلى أن تكلفة إنشاء الخط وصلت إلى 320 مليون جنيه، غطت المسافة من الفردان حتى بئر العبد بطول 100كم كمرحلة أولى، وتشمل 6 محطات هى القنطرة شرق، جلبانة، بالوظة، رمانة، نجيلة، بئر العبد، تم الانتهاء من تجهيزاتها بالفعل. وتضم المرحلة الثانية 7 محطات بطول 225كم، هى التلول، الروضة، الميدان، العريش، الريسة، الشيخ زويد، وحتى رفح، بالإضافة إلى وصلة شرق بورسعيد بتكلفة 800 مليون جنيه. قام الرئيس مبارك بافتتاح كوبرى الفردان الذى يعتبر أطول كوبرى مفتوح فى العالم، وخط السكة من الفردان حتى بئر العبد يوم 14/11/2001، إلا أن الخط توقف تماماً بعد 9 أشهر وبدأت العصابات فى سرقة قضبانه حتى أتت على الخط بالكامل.. القصة تبدأ من غرب مدينة بئر العبد الهادئة، حيث تقع محطة السكك الحديدية، منشآتها الحديثة أصابها الإهمال، فيما لم يتبق من القضبان إلا 200 متر فقط تمتد بطول الرصيف فقط. يقول نصار إبراهيم، أحد سكان مدينة بئر العبد: منذ إنشاء المحطة وهى تواجه العديد من المشكلات، فموقعها بعيد عن البلدة، وتأمينها ضعيف للغاية، وإلى اليسار من المحطة أقامت هيئة السكك الحديدية استراحات للموظفين لم يسكن فيها أحد، ومع ضعف الرقابة والتأمين بدأت السرقة من محطة بئر العبد باتجاه الفردان، حتى تم القضاء على الخط بالكامل فى أقل من عامين. دخلنا إلى المحطة التى كانت خالية تماماً إلا من خفير نظامى لا يملك إلا «جهاز لاسلكى» وطبنجة، قال رمضان سيد إن مهمته هنا هى الإبلاغ عن أى محاولة للسرقة، لكنه يؤكد أن التعليمات التى تصله من قسم شرطة تأمين كوبرى الفردان هى الانسحاب بعيداً عن المحطة وعدم الاحتكاك بالبدو المسلحين، الذين يستغلون ضعف الحراسة فى تقطيع القضبان فى وضح النهار بواسطة أسطوانات غاز وأكسجين ولمبات تقطيع خاصة. يقول جمعة سالمان، أحد الأهالى، إن عمليات السرقة بدأت منذ عام 2007، وكان تجار الخردة يقومون بها مع ارتفاع أسعار الحديد، ولم يجد هؤلاء فرصة أفضل من شريط السكة الحديد الذى يخرج من مدينة القنطرة شرق بمحافظة الإسماعيلية لسرقته فى وضح النهار وبيعه بالطن لبعض المسابك. ويؤكد جمعة أنه فى العديد من المرات قام عدد من أهالى القنطرة شرق بالإبلاغ عن اختفاء قضبان قطار «الفردان- بئر العبد» وأبلغوا رئيس مباحث السكة الحديد، وفى أحيان نادرة يتم القبض على بعض هؤلاء، وغالباً ما تصل الشرطة متأخرة أو تتحاشى الاحتكاك بالبدو بعد إطلاقهم الرصاص على القوات المكلفة بتأمين خط السكة الحديد، ويلجأ الضباط إلى الاستماع لأقوال الشهود وتحرير محاضر بها ضد مجهولين. مسؤول أمنى فى قسم تأمين كوبرى الفردان الذى تقع عليه مسؤولية تأمين الخط- طلب عدم نشر اسمه- قال ل«المصرى اليوم» إنه يستحيل عملياً تعيين عسكرى خدمة على كل كيلومتر من الخط والنتيجة هى سرقة معظم الأجزاء فى غضون شهور قليلة. طوال ساعة ونصف بالسيارة يمكنك المرور بآثار الشريط الحديدى الذى يوازى الطريق الدولى «الإسماعيلية- العريش».. الخط أصبح أثراً بعد عين، والسؤال الملح هو: أين تذهب هذه القضبان؟ يقول عبدالناصر البياضى، من أهالى بئر العبد، إن طريقة تقطيع القضبان بأطوال معينة، تبلغ متراً واحداً أو مترين، تؤكد استخدامها فى تدعيم الأنفاق الحدودية التى تصل إلى غزة، وهذا لا ينفى بيعها لكبار تجار الخردة والمسابك فى القاهرة. وما بين أنفاق غزة ومسابك القاهرة ضاعت على الدولة ملايين الجنيهات، وتم تدمير خط سكك حديدية كان له أكبر الأثر على التنمية فى سيناء.
