قضت محكمة دريسدن أمس «الأربعاء» بمعاقبة أليكس فينز، المتهم بقتل مروة الشربينى الصيدلانية المصرية، بالسجن المؤبد المشدد، مؤكدة أنه مذنب، وثبوت الجرم عليه، كما أدانته بطعن زوج الضحية «علوى عكاز»، وحكمت عليه بدفع تعويض للمُضارين نفسياً وماديًا ومعنوياً، وطالبته بتحمل تكاليف العلاج الخاص بالزوج حال عدم تحمل التأمين الصحى التكاليف. يذكر أن القاضية ألقت الحكم وجميع الحضور واقفون، ثم دعت الجميع إلى الجلوس لتتلو حيثيات الحكم، وتفاصيل حياة المتهم منذ قدومه إلى ألمانيا، حتى لحظة ارتكابه الجريمة. تلقى الحضور الحكم فى هدوء ومن بينهم أسرة «مروة»، نفسها، التى كانت تستشعر بعض القلق منذ جلسة أمس الأول، وكانت تخشى أن تنتهى العقوبة بالمتهم كنزيل بإحدى المصحات النفسية. قالت القاضية فى مجال سردها وقائع حياة المتهم إنه جاء إلى ألمانيا عام 2001، وحصل على تدريب مهنى، لكنه لم يلتحق بعمل، وكان لديه نظرة عنصرية للمسلمين، يعبر من خلالها عن احتقاره لهم، وكانت يصفهم ب«الإرهابيين»، الذين يريدون أن يغيروا ملامح ألمانيا، عبر عاداتهم وتقاليد دينهم، وقالت: إن المتهم لم يفهم أن ألمانيا حرة تستوعب الجميع. وأضافت: المتهم عبر عن كراهيته للقضاء والمجتمع الألمانى، الذى قال إن المجتمع أساء إليه، وكان ينظر له باعتباره روسياً، رغم كونه ألمانياً يحمل الجنسية. بدأت القاضية بعد ذلك فى وصف تفاصيل الحادث، ووقائعه بدءًا من واقعة الأرجوحة، التى رفض المتهم تركها ل«مصطفى» ابن الضحية، وكيف شعر بالغيظ من «مروة» لأنها ترتدى الحجاب، وتعيش فى مستوى راق يبدو من مظهرها وموقع مسكنها. وقالت القاضية: «بذلت مروة محاولات جادة ومجتهدة للاندماج فى المجتمع الألمانى، كانت تتحدث الألمانية بشكل جيد، كما قدمت لطفلها فى إحدى الحضانات الألمانية، والتحقت بالعمل فى إحدى الصيدليات، هذا على عكس ظروف المتهم، الذى كان يشعر بالحقد تجاه المسلمين دون أن يبذل جهداً للاندماج فى المجتمع الألمانى». كما تناولت بعض تفاصيل التحقيق مع المتهم، وقالت: عندما منح أحد الألمان مروة الهاتف لتطلب الشرطة للمتهم فى الحديقة، نظر إليه شزراً وقال له: «لماذا تعطيها الهاتف؟.. إنها إسلامية إرهابية وإنها وقومها يقتلون جنودنا الروس فى الشيشان»، وهو ما ترك انطباعاً لدى هيئة المحكمة بأن المتهم متابع للأحداث السياسية، ملم بتفاصيلها وهو ما اتضح من خلال إجابته عن سؤال فى محاكمته الأولى، حينما سأله القاضى عما إذا كان ينتمى إلى التيار اليمينى المتطرف، فأجاب: «لا.. أنا فقط أؤيد الحزب اليمينى». كما عبر أثناء التحقيق معه فى جريمة القتل عن زيادة كراهيته للمسلمين الذين داوم على وصفهم بالإرهابيين، وأنه زادت كراهيته لهم بعد أحداث 11 سبتمبر، مما دفع القاضية لوصفه بالقول: «لقد صار عنصرياً». وتناولت القاضية التقصير الأمنى فى المحكمة يوم ارتكاب الجريمة بقولها: «من غير المعقول ألا يوجد جهاز إلكترونى للتفتيش فى محكمة دريسدن، وأن المحكمة لم يكن يجب أن تنتظر لحين وقوع حادثة بتلك البشاعة، لكى تهتم بوجود جهاز للتفتيش بها»، وقالت إن المتهم دخل المحكمة يوم ارتكاب الحادث بسكين، وليس من الطبيعى أن يحملها الأشخاص الطبيعيون فى ألمانيا، وأنه وضعها فى جيبه مع علبة سجائر، وعندما أصدر القاضى حكمه عليه بالغرامة سارع بتسديد طعنات نافذة وبقوة ليشاهد الطفل «مصطفى» والدته وهى تُقتل أمام عينه. كان فريق الدفاع الخاص بالمتهم قد صرح ل«المصرى اليوم» قبل بدء جلسة النطق بالحكم، بأن موكله يعانى من اضطرابات نفسية، وأنه يدرك ذلك، نظراً لكونه الوحيد الذى التقى به على مدار الأشهر الأربعة الماضية، وأنه يعلم أن موكله لن يخرج حراً من القضية، ولكنه لديه الشعور بأن يصدر الحكم بإيداعه إحدى المصحات النفسية لتلقى العلاج، وقال: «ليس من المهم أن يصدر حكم عادل فى تلك القضية، ولكن الأهم أن يكون الحكم صحيحاً، فالمتهم يعانى مرضاً نفسياً، ويجب أن تنظر إليه المحكمة تلك النظرة ونحدد موقفنا منه، بعيداً عن مشاعر العداء». وتعرض فريق الدفاع الخاص بالمتهم لانتقادات عديدة من الإدعاء الألمانى وفريق الدفاع عن مروة الشربينى وزوجها والحضور خلال الجلسات السابقة على الحكم بسبب تركيزه فى دفاعه على جزئية واحدة وهى النقد والتشكيك فى التقرير الطبى الخاص بحالة المتهم النفسية، الذى أعده طبيب محلف من قبل المحكمة، وهو ما علق عليه محامى المتهم بالقول: «مهمتى كانت صعبة، وأنا كمحام يجب أن أبحث فى كل الوسائل التى من الممكن أن تخفف الحكم على موكلى». يذكر أن المتهم تلقى الحكم فى هدوء تام من دون أن يصدر عنه أى صوت أو سلوك، كما هى عادته منذ بدء الجلسات، وأثناء توصيف القاضية للحادث كان يتحدث إلى فريق دفاعه فى صوت خافت حتى لا يسمعه أحد، وكان يبدو عليهم محاولة إقناعه بالصمت. وقال حمدى خليفة، نقيب المحامين، إنه جرى العرف على أن الحكم المؤبد فى ألمانيا يكون 15 عاماً، بعد ذلك يتم إطلاق سراح المتهم، إذا تبين حسن سيره وسلوكه، إلا أنه فى تلك القضية المقترن بها جريمة الشروع فى القتل، من المتوقع أن تمتد المدة إلى 20 أو 25 عاماً. «عقوبة السجن مدى الحياة ليست كافية ولن تشفى غليلى، وسوف ألاحق المتهم أمام المحكمة الدولية فى برلين».. بهذه الكلمات أكد والد مروة الشربينى ل«المصرى اليوم» أنه لن يكتفى بسجن قاتل ابنته 25 سنة، لأن العقوبة ضئيلة جداً، على حد تعبيره. وأوضح على الشربينى أن ابنه فى طريقه لملاحقة المتهم والضابط الذى أطلق النيران على زوجها، وكذلك المحكمة التى تقاعست عن اتخاذ إجراءات حماية ابنته، بعد أن وصلها خطاب تهديد من المتهم - أمام المحكمة الدولية فى برلين. وأضاف أن ابنه سوف يتقدم بطلب إلى النائب العام فى ألمانيا للتحقيق فى الواقعتين وسوف يرفع دعويين أمام المحكمة الدولية. وفى الوقت الذى عبر فيه رمزى عزالدين، السفير المصرى فى ألمانيا ،رضاه عن الحكم وقال «إنه حكم عادل» جاءت ردود أفعال أسرة مروة الشربينى غير راضية عن الحكم وقالوا إنهم خُدعوا بهذا الحكم الذى لم يُدن القضاء الألمانى، الذى وقعت فى حرمه الجريمة كما أنه لم يُدن الشرطى الذى أطلق الرصاص على علوى زوج مروة فى المحاكمة الأولى. من جانبها، رحبت وزارة الخارجية، أمس، بإصدار المحكمة حكمًا بالسجن مدى الحياة على قاتل شهيدة الحجاب مروة الشربينى. وقال السفير حسام زكى، المتحدث الرسمى باسم الخارجية، إن تطبيق أقصى عقوبة جنائية منصوص عليها فى القانون الألمانى على قاتل الفقيدة يحقق العدالة المنشودة، ويمكن أن يشكل ادعًا مناسبًا لكل من تحركه بواعث الكراهية والحقد. من جهة أخرى، أشار زكى إلى أن العلاقات المصرية الألمانية تقوم على أساس جيد من التعاون فى مختلف صوره، وأنها أقوى من أن ينال منها جرم من هذا النوع. وناشد «زكى» الإعلام المصرى والعربى والإسلامى أن يسهم بإيجابية فى وضع الحادث فى حجمه وإطاره الصحيح، دون أن يؤثر هذا على مشاعر وأوضاع ملايين العرب والمسلمين الذين يقيمون فى الدول الغربية. وقال طارق الشربينى، شقيق الضحية مروة، إنه على مدار جلسات المحاكمة كانوا يحاولون الاستفسار عن مصير الدعاوى القضائية التى أقامها فريق الدفاع المصرى، والتى اختصموا فيها رئيس محكمة دريسدن، والقاضى الذى وقعت الجريمة أثناء نظره الدعوى الأولى، والشرطى الذى أطلق النار على «علوى»، إلا أنهم لم يحصلوا على أى إجابات عن مصير تلك الدعاوى، وأنه عندما سأل المحامى خالد أبوبكر القاضية عن مصير تلك الدعاوى أجابته: «نحن اليوم بصدد نظر قضية أليكس فينز.. لا تسألنى عن دعاوى لم تحركها النيابة بعد». وأضاف الشربينى أن حق شقيقته لن يضيع هباءً، وأنه سيواصل البحث عنه، سواء داخل ألمانيا أو خارجها. فى نفس الوقت، قال المدعى العام الألمانى «كريستيان أفرينا يوث» إنه راض تماماً عن الحكم رغم تفاصيل القضية التى امتلأت بالوقائع الدرامية، مشيرًا إلى أن الحكم هو أقصى عقوبة فى القانون الألمانى، وأن عقوبة الإعدام ملغاة. وأضاف: من حق أسرة مروة الشربينى أن تغضب، فمهما حكم على المتهم فإن مروة لن تعود إليهم، ولكن يجب أن يعلموا أن تفصيل الحكم يعنى السجن 15 عامًا، وبعدها يعاد النظر فى تقييم سلوكيات المتهم وحالته النفسية، من خلال تقرير مراقبى السجن، وخبير نفسى، الذى يحدد على أثره ما إذا كان يمكنه الخروج أم لا، وإذا ثبت أن المتهم لم يتغير فمن الممكن أن يمتد به السجن حتى الوفاة. ووجه رسالة للمصريين قائلاً: «أرجوكم لا تغضبوا، فهذا هو القانون الألمانى، وتلك أقصىالعقوبات لدينا». من جهة أخرى، أكد محامى المتهم أليكس فينز أنه سينتظر 5 أسابيع حتى يتسلم نص الحكم، بعدها سيدرسه لاتخاذ الإجراءات الخاصة بالاستئناف. أما آخر ملامح جلسات القضية فكان يتمثل فى حمل جنود الأمن، الذين خصصتهم المحكمة لتأمينها أثناء الجلسات، أمتعتهم ومتعلقاتهم الأمنية لينصرفوا، وبلغت التكلفة اليومية ل200 جندى حوالى 200 ألف يورو فى اليوم الواحد.