زراعة النواب تطالب بوقف إهدار المال العام في جهاز تحسين الأراضي    جامعة المنوفية تتقدم في تصنيف CWUR لعام 2024    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    شعبة القصابين: توقعات بانخفاض أسعار اللحوم خلال الفترة المقبلة    قطع مياه الشرب عن 5 مناطق في أسوان 12 ساعة    العربية: مصر تواصل تكوين مخزون استراتيجي من النفط الخام بعشرات المليارات    أبو الغيط: حلفاء إسرائيل وفروا لها غطاء سياسيًا لتكمل حربها    الرياض تدين محاولة اغتيال رئيس الوزراء السلوفاكي    أوكرانيا تشن هجومًا جديدًا على مطار روسي عسكري في القرم    «تدخل في صلاحيات الأمير».. أمر بضبط وإحضار النائب الكويتي أنور الفكر    نجم دورتموند قبل نهائي دوري أبطال أوروبا: ريال مدريد الأفضل في العالم    ترتيب الدوري السعودي الإلكتروني للعبة ببجي موبايل    بالصور.. الصحة تُغلق 4 مراكز "جلدية وليزر" في مدينة نصر    موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات فلكيًا.. (أطول إجازة رسمية)    غدا.. إعادة عرض فيلم "زهايمر" احتفالا بميلاد الزعيم    تعرف على مواعيد عرض فيلم "شرق 12" في مهرجان كان السينمائي    "دار وسلامة".. قافلة طبية للكشف على المواطنين بقرية أولاد يحيى في سوهاج    معهد التغذية: نسيان شرب الماء يسبب الشعور بالتعب والإجهاد    «المشاط» تناقش مع «الأوروبي لإعادة الإعمار» آفاق الاستثمار الخاص ضمن برنامج «نُوَفّي»    تداول 10 آلاف طن و585 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    الدوري السعودي يستخدم "الغردقة" لجذب محمد صلاح.. ما التفاصيل؟    تراجع دور بيلينجهام في ريال مدريد بسبب مبابي    شوبير السبب.. كواليس إيقاف الحكم محمود عاشور من إدارة مباريات الدوري المصري    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    «التربية والتعليم» تنظم فعاليات مسابقة المعلمة الفعالة    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    خلال 24 ساعة.. رفع 39 سيارة ودراجة نارية متهالكة من الميادين    «التخطيط»: 7.7 مليار جنيه استثمارات موجهة لمحافظة الدقهلية خلال 2023-2024    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    وفاه الشيخ السيد الصواف قارئ الإذاعة المصرية.. وأسرة الراحل: الدفن والعزاء بمسقط رأسه    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    رئيس جامعة المنيا يبحث مع الجانب الإيطالي تطوير معامل ترميم الآثار بالجامعة لخدمة الباحثين    لهذا السبب.. ياسمين عبد العزيز تتصدر تريند "جوجل"    الرئيس الصيني: موسكو وبكين تدعوان إلى «حل سياسي» في أوكرانيا    نقابة العاملين الأكاديميين بجامعة كاليفورنيا تجيز إضرابا ردا على قمع احتجاجات غزة    محافظ أسيوط يستقبل مساعد وزير الصحة للمشروعات ويتفقدان مستشفى بني محمديات بمركز أبنوب    «الصحة» تقدم 5 إرشادات مهمة للوقاية من الإصابة بالعدوى خلال فترة الحج 2024    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    المشدد 6 سنوات لعامل ضبط بحوزته 72 لفافة هيروين في أسيوط    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    "الرعاية الصحية": حل 100% من شكاوى المنتفعين لأول مرة    كولر يحاضر لاعبى الأهلي قبل خوض المران الأول فى تونس    صدام جديد مع ليفربول؟.. مفاجأة بشأن انضمام محمد صلاح لمعسكر منتخب مصر    وزير الخارجية اليمني: قمة المنامة تكتسب أهمية نتيجة لما تتعرض له غزة من حرب    محافظ أسيوط يستقبل مساعد وزير الصحة ويتفقدان مستشفى بني محمديات بأبنوب    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    اليوم.. انطلاق الملتقى التوظيفي لزراعة عين شمس    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    بوتين يصل قاعة الشعب الكبرى في بكين استعدادا للقاء الرئيس الصيني    تنظيم 50 أمسية دينية في المساجد الكبرى بشمال سيناء    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    وزير الرياضة يطلب هذا الأمر من الجماهير بعد قرار العودة للمباريات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سليمان عبدالمنعم يكتب: ما وراء الحكايات.. لنغيّر الأسباب حتى تتغيّر النتائج


(1) أسئلة الحيرة
السببية نظرية علمية تحدد مدى اعتبار واقعة معينة مقدمة لازمة وكافية لإحداث واقعة تالية، بحيث ترتبط الواقعتان فيما بينهما برابطة السبب بالنتيجة، وهى نظرية ضرورية لفهم الطبيعة وتفسير السلوك الإنسانى. ولعلّنا نحتاج اليوم بشدة لأن نستحضر نظرية السببية ونتأمل فى صلة الأسباب بالنتائج لمزيد من فهم واقعنا الاجتماعى والسياسى والثقافى. إذ يبدو أننا نخلط بين ما يعد سبباً وما يعتبر نتيجة فى الكثير من مشاهد الحاضر العربى.
وعلى سبيل المثال فنحن نعتقد أحياناً أن غياب الديمقراطية هو «سبب» لواقع التخلف الحضارى الذى يعيشه العرب منذ زمن بعيد. هذا التخلف الذى نفضل تسميته بالمأزق الحضارى تتجلى أبرز مظاهره (العلمية) فى فجوة معرفية آخذة فى الاتساع بيننا وبين العالم المتقدم، و(الاقتصادية) فى ضعف قدراتنا الإنتاجية مقارنة بالاقتصاديات الغربية بل والآسيوية، و(السياسية) فى التشرذم العربى بتجلياته الحاضرة فى فلسطين والعراق والسودان. حسناً.. يعتقد كثيرون أن السبب المشترك الذى أنتج هذا المأزق الحضارى هو غياب الديمقراطية.
يترتب على ذلك بالمنطق ذاته الاعتقاد بأن زوال هذا «السبب» يعنى زوال واقع التخلف «النتيجة» والانتقال إلى وضعية التقدم. لكن هل صحيح حقاً أن غياب الديمقراطية هو «سبب» مأزقنا الحضارى أم أنه «النتيجة» لهذا المأزق؟ وإذا كانت المعضلة الديمقراطية هى نتيجة مأزقنا الحضارى وليست سببه ألا يكون جديراً بنا إعادة البحث عن مجموعة الأسباب الأخرى التى أنتجت هذا المأزق؟
وكمثال آخر لإشكالية الأسباب والنتائج فى حياتنا ما يعتقده البعض من أن المؤامرة الغربية فى زرع إسرائيل فى المنطقة والدعم الغربى-الأمريكى لإبقاء توازن القوى لصالحها على حساب العرب هو «سبب» آخر لمأزقنا الحضارى كاشف عن قرار غربى بعدم السماح للعرب بأى محاولة للوحدة أو الاستقواء.
لكن مرة أخرى يطرح السؤال نفسه: هل كان وجود إسرائيل فى المنطقة ونجاح ما نسميه المؤامرة الغربية ضدنا «سبباً» حقيقياً لمأزقنا الحضارى أم هو بالأحرى «نتيجة» طبيعية لهذا المأزق ونتاجاً منطقياً لما نحن عليه من ضعف؟، وهنا يكون علينا واجب البحث عن أسباب وتفسيرات أخرى لأنه لو لم توجد إسرائيل فى المنطقة لما تغير حالنا كثيراً عن الحاصل الآن. فالمأزق الحضارى العربى سابق تاريخياً على وجود إسرائيل فى المنطقة ولم يكن لاحقاً عليه حتى نعتقد أنه سبب لنتيجة.
ولو أننا انتقلنا من الواقع السياسى إلى الواقع الاجتماعى الاقتصادى لعثرنا على أمثلة أخرى تختلط فيها الأسباب بالنتائج فى حياتنا.
فهناك من يعتقد على سبيل المثال أن ضعف الحافز المادى وضآلة الأجور والرواتب هما «سبب» تراجع قيم الاجتهاد والإخلاص والإتقان فى العمل.
وحين نتأمل هذه الإشكالية نكاد نصل إلى أن غياب وضعف هذه القيم فى مجتمع كمصر هو «سبب» وليس «نتيجة» لضآلة الأجور، لأن تراجع هذه القيم هو ببساطة شديدة أحد أسباب ضعف الإنتاج وتواضع جودته وقدرته التنافسية، مما يفقد الدولة عائدات مالية كانت ترتجى فيما لو كان لدينا إنتاج وافر جيد يمكن تصديره إلى الخارج.
هذه العائدات المالية للإنتاج والتصدير كانت وحدها الكفيلة بزيادة الأجور والرواتب فى بلد محدود الموارد الطبيعية مثل مصر.
ويزداد مثل هذا التفسير وضوحاً حين نقارن عائدات ما ينتجه المصريون (كمّاً وجودة) من محاصيل وسلع ومنتجات أخرى بعائدات دولة منتجة (ليست بها موارد طبيعية مثل مصر) كاليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية.
ففى مصر تبلغ قيمة الصادرات المصرية للخارج نحو 16 مليار دولار تصل إلى نحو 11 مليار دولار فقط كصادرات سلعية إذا استثنينا صادرات النفط والغاز. ولهذا كان طبيعياً ألا يتجاوز نصيب الفرد سنويا من الناتج المحلى 5000 دولار.
أما فى اليابان النموذج الأشهر لمجتمع تسوده قيم الانضباط والإخلاص والإتقان فى العمل كمنظومة اجتماعية وثقافية فإن قيمة الصادرات اليابانية تبلغ سنوياً نحو 700 مليار دولار (أى نحو 70 ضعف الصادرات السلعية المصرية)، لهذا كان منطقياً أن يصل متوسط نصيب الفرد سنوياً من الناتج المحلى إلى 33 ألف دولار.
وفى ماليزيا تبلغ قيمة الصادرات 176 مليار دولار(أى سبعة عشر ضعف الصادرات المصرية السلعية مع أن عدد سكان ماليزيا لا يتجاوز 26 مليون نسمة) ليكون نصيب الفرد من الناتج المحلى فى ماليزيا 14 ألف دولار سنوياً.
وبوسعنا أن نعدّد الأمثلة لكى نصل إلى النتيجة ذاتها: إن مستوى الدخل الفردى ليس هو سبب تغير منظومة القيم فى المجتمع، وأنه ليس صحيحاً الاعتقاد بأن ضعف هذا الدخل الفردى وبالتالى ضآلة الأجور والرواتب هو سبب تدنى وربما انحطاط قيم الانضباط والأمانة والإخلاص فى العمل، وأن زيادة دخل الفرد وبالتالى ارتفاع الأجور والرواتب يصبح هو «سبب» توافر وتطبيق هذه القيم. المسألة تكاد تكون معكوسة تماماً فضآلة الأجور والرواتب ليست هى «سبب» ضعف منظومة قيم العمل بل هى «نتيجة» لها.
(2) محاولة للتفسير
إذا كان غياب التفكير العلمى هو أحد أوجه المأزق الحضارى الذى يعيشه العالم العربى، فإن فهمنا لنظرية السببية وصلة الأسباب بالنتائج هو مظهر بدوره لغياب هذا التفكير العلمى. والحاصل أن العقل الجمعى لدينا لا يكترث كثيراً بمنطق نظرية السببية فى تفسيره لما نعانيه من ظواهر ومشكلات.
وحين نميل إلى الخلط بين السبب والنتيجة نتصور ما هو نتيجة على أنه السبب، فلأننا مشدودون إلى «المظاهر» أو «الأعراض» بلغة الطب فنعتبرها من قبيل الأسباب.
فالاستبداد أوغياب الديمقراطية ليست سوى مظاهر ونتائج وأعراض لسبب بعيد هو التخلف الثقافى والاجتماعى. هى ليست إذن كما نعتقد أو كما نستعذب الاعتقاد «سبباً» لتخلفنا، بل السبب الحقيقى الذى أفضى إلى هذه النتيجة فى شتى مظاهرها وتجلياتها هو منظومتنا الثقافية والاجتماعية.
ففى هذه المنظومة وليس فى غيرها علينا البحث عن الأسباب الحقيقية والعميقة لواقع التخلف الذى أنتج ظاهرة الاستبداد. سنكتشف أنها مجموعة أسباب ثقافية واجتماعية منها الموروث (من عادات وأعراف وتقاليد) ومنها المكتسب (من صفات سلوكية مثل الخوف والنفاق).
منها النفسى والاقتصادى، منها الفردى والعائلى. ولنتساءل هل يمكن أن يلازم الاستبداد أمة على مدى هذا الزمن الطويل والممتد عبر القرون ما لم تكن ذات ثقافة تمهد لهذا الاستبداد وتتعايش معه وتهيئ له التمكين والاستمرار؟، إن ثقافتنا التعليمية والأسرية والاجتماعية والدينية هى ثقافة لم تتصالح بعد بما فيه الكفاية مع قيم الديمقراطية والحرية، ولاتزال تخشى من تحمل تبعاتها.
فما زال الملمح الأساسى فى ثقافتنا هو غياب قيم الحوار والتسامح وإنكار التنوع ورفض الرأى الآخر ومخاصمة المنهج العلمى وربما الخوف منه أحياناً! وما يحدث فى فلسطين والعراق والسودان وأماكن أخرى نموذج لذلك.
وبعض من خطابنا الدينى والفتاوى الدينية يكشف عن تراجع قيمة الاستنارة التى صنعت العصر الذهبى للحضارة الإسلامية.. فكيف يمكن لثقافة كهذه أن تنتج نظماً ديمقراطية أو تضمن استمرارها فيما لو وجدت فى لحظة خاطفة؟
لعلّنا نحتاج لمواصلة التساؤل مهما كان مراً ومحبطاً: من أين أتت نخب الحكم العربية وكيف تكونت ثقافتها؟ لقد تلقت التعليم فى مدارسنا وجامعاتنا وتربت فى منازلنا واكتسبت عاداتنا وأعرافنا واستمعت إلى خطب الجمعة فى مساجدنا. ففيم الدهشة إذن كما لو كانت هذه النخب قد هبطت علينا من كوكب مجهول!
إننا ننسى أو نتجاهل أن بذور الاستبداد تتسلل أحياناً من نظمنا التعليمية التى تكرّس السلبية والتبعية ولا تشجع على التفكير النقدى الحر، وأنه فى الكثير من دواوين الإدارة لدينا يقبع مستبدون صغار يتلذذون بتعذيب الناس، وأن فلسفتنا الأسرية والتربوية ما زالت تخشى من قيم الحرية، وأن فهمنا الدينى لم يحسم بعد موقفه من قيم التطور والحداثة تحت ذرائع شتى. كلها نظم وأنساق ومفاهيم غير متصالحة بعد مع القيم الديمقراطية.
ولنبحث فى أمثالنا الشعبية الزاخرة بالبلاغة والحكمة لنكتشف أن مأزقنا الوجودى ما زال فى جوهره ثقافياً وذهنياً قبل أن يكون سياسياً سلطوياً.
(3) ما زال الأفق مفتوحاً
واقعنا الثقافى والاجتماعى على الرغم من صعوبته ليس حتمية تاريخية من ناحية، ولا يمكن اعتباره نسقاً عاماً يبرر إطلاق الأحكام وتعميمها من ناحية أخرى. فمن ناحية أولى هذا الواقع الثقافى والاجتماعى ليس حتمية تاريخية لأن التطور ناموس من نواميس الحياة. ومآلنا طال الزمن أم قصر هو اللحاق بقيم التقدم والحداثة وعلى رأسها الديمقراطية.
لكن سيظل السؤال هو بعد كم من السنين يمكن أن يتحقق ذلك؟ الرهانات عديدة والأفق لايزال مفتوحاً. قد يكون الرهان هو الانفتاح أكثر فأكثر على الآخر المتقدم، وهو أمر ليس عيباً فكل الثقافات الإنسانية مارست التأثير والتأثر فيما بينها ونحن يوماً كنا فى موقع التأثير.
ولعلّ هذا الانفتاح على الآخر المتقدم حاصل بالفعل بدليل أن معظم القوى الإصلاحية العربية سواء فى السلطة أو خارجها هى قوى أتيح لها هذا الانفتاح. إن دولاً إسلامية مثل تركيا وماليزيا، بل وإيران الأصولية نفسها، لم تعرف تداول السلطة بدرجات متفاوتة فيما بينها بدون انفتاح على الآخر المتقدم ومحاولة محاكاته.
ومن المؤكد أن لحركة العولمة تأثيرها الذى لا يمكن إنكاره وهى تمارس فى سطوة ودأب نشر قيم التقدم والحداثة بما فيها الديمقراطية لا سيما مع ما توفره ثورة الاتصالات والمواصلات من إمكانيات. لكن نجاح العولمة فى دفع تيار دمقرطة المجتمع العربى مشروط بإثبات مصداقيتها وقدرتها على أنسنة قيم التقدم والحداثة وتحييد نزعتها «عسكرتها» وترويض أطماعها الإمبراطورية.
وقد يكون الرهان أخيراً معقوداً على حركة إصلاح عربى داخلى. وهو الرهان الذى نحلم به ليس فقط لأن تكلفته السياسية والاجتماعية هى الأقل مقارنة برهانات الخارج ولكن أيضاً لأنه يرضى غرورنا الوطنى والقومى لنثبت ولو لمرة أن هذه الأمة قادرة على إعادة اكتشاف ذاتها.
وبقدر ما أن واقعنا الثقافى والاجتماعى فى ضعفه وسلبياته ليس حتمية تاريخية فإن هذا الواقع لا يبرر من ناحية ثانية إطلاق الأحكام وتعميمها. فما زالت قوى الاستنارة والنضال موجودة فى لحمة المجتمع العربى جنباً إلى جنب مع قوى التخلف والانتهازية!
ولعلّ التحدى الأكبر الذى يقع على عاتق قوى الاستنارة والنضال فى مجتمعاتنا هو كيفية نقل مهمة التغيير الثقافى والاجتماعى من دوائر النخبة الضيقة إلى عموم الناس فى كل مكان.
فلاتزال سمة المجتمع المصرى، وربما جزء من أزمته، أنه يمتلك نخبة واعية ذكية لا تقل عن نخب أكثر المجتمعات تقدماً لكنها نخبة محبطة منكفئة على نفسها منعزلة عن الناس أياً تكن أسباب الإحباط والإنكفاء والعزلة.
تحتاج النخبة المستنيرة فى مصر لأن تكون أكثر إقداماً.. نريد أكاديميين ينهضون برسالتهم الفكرية والتنويرية من خلال التواصل مع طلابهم.. نريد مدرسين يغرسون قيم الانتماء والوطنية مبكراً فى نفوس الصغار.. نريد خطباء مساجد لا يكلون ولا يملون من الحديث عن قيم العقل والتقدم والتسامح والاجتهاد فى فقه المعاملات فى تراثنا قدر ما يعيدون ويزيدون فى فقه العبادات..
نريد مؤسسات مجتمع أهلى تفكر ولو لمرة فى إنفاق ما تحصل عليه من معونات أجنبية فى مشروعات لمحو أمية الملايين مثلما تنفق هذه الأموال على دورات حقوق الإنسان التى على الرغم من أهميتها لا يحضرها أحياناً سوى العشرات.. نريد من النخبة التى تحيط بالساسة وصنّاع القرار أن يغلّبوا بصيرتهم الوطنية على حدة بصرهم السياسى وأن يكونوا جسراً لا فجوة بين الحكام والشعب!! نريد أن نغير الأسباب حتى تتغير النتائج !!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.