محافظ سوهاج يتفقد عدداً من المدارس لمتابعة الاستعدادات النهائية للعام الدراسي الجديد    محافظ سوهاج يفتتح مسجد " الشيخ وحشي " بجهينة على مساحة600 متر | صور    "أطباء الجيزة" تكرم استشاري تخدير باحتفالية "يوم الطبيب 2025"    القومي للمرأة يُنظم حلقة نقاشية حول أنشطة المجلس فى المؤشرات الدولية وتمكين المرأة    سفير فلسطين لدى روسيا: إسرائيل بدأت تفقد أرضيتها تدريجيًا في أوروبا    الدويري: غياب الإرادة السياسية في فتح وحماس يعوق التقدم في المصالحة الفلسطينية    العراق "يستقبل" 47 فرنسيا منتمين ل "داعش" لمحاكمتهم بتهم إرهاب    خبير شؤون إسرائيلية: تل أبيب ترى المواجهة مع الحوثيين أكثر صعوبة من غزة    شاهد ما لم تراه على الشاشات.. كواليس مثيرة فى افتتاحية أبطال أوروبا "صور"    سموحة يتقدم على حرس الحدود في الشوط الأول    مديرية الشباب والرياضة بالبحيرة تحتفل بالعيد القومي للمحافظة| صور    محافظ سوهاج يفتتح المدرسة المصرية اليابانية بجهينة على مساحة 10 آلاف متر مربع    عمرو أديب عن سرقة أسورة المتحف المصري: المتهمة لم تبذل أي مجهود لتنفيذ الجريمة    لو متردد.. اعرف تفاصيل تحديث تليفونك ب iOS 26 وأنواع أيفون المناسبة    أول تعليق من منة شلبي بعد طرح برومو «هيبتا 2»    شيرين عبد الوهاب تكشف حقيقة حفلها في الإمارات    القاهرة الإخبارية: النزوح يتواصل والاحتلال يوسع هجماته نحو تل الهوا وشارع النفق    "القومي للمرأة" يشيد بملتقي أولادنا الدولي التاسع لفنون ذوي القدرات الخاصة برعاية الرئيس السيسي    إيناس الدغيدي بفستان الزفاف.. جلسة تصوير بالذكاء الاصطناعي بعد إعلان زواجها    رئيس جامعة الأزهر: الدعاء ليس مجرد طلب أو رجاء بل هو جوهر العبادة وروحها    هل رفع الصوت بالقراءة في الصلاة لتنبيه شخص آخر يبطلها؟.. أمين الفتوى يجيب    موعد صلاة العشاء.. ودعاء عند ختم الصلاة    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى قلين التخصصي ويشدد على رفع كفاءة الخدمات    وزارة الصحة تطلق خطة شاملة لتعزيز الصحة المدرسية بالتعاون مع التعليم والأزهر    عودة المدارس 2025.. إليك 7 خطوات لجعل حقيبة ظهر طفلك فى وضع صحي    بتكلفة 17.2 مليون جنيه.. وضع حجر أساس مدرسة الوليدية الابتدائية الحديثة في أسيوط    التشكيل - سالم الدوسري يقود هجوم الهلال.. وكيسيه في وسط أهلي جدة    فوز الداخلية وتعادل بلدية المحلة والقناة بدوري المحترفين    موعد مباراة الفيحاء والشباب في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    غرق شاب في بوغاز رشيد وجهود مكثفة لانتشال جثمانه بكفر الشيخ    وزير المالية الألماني: برلين تتابع أزمة الديون الفرنسية بقلق    لجنة المنشآت الآيلة للسقوط في الإسكندرية تتابع درجة ميل العقار المائل بالمندرة    قصف على مسجد في الفاشر يودي بحياة أكثر من 70 مدنيًا وسط استمرار الحصار    دمج ذوي الهمم في بطولة الشركات لأول مرة    ضبط 10 تجار سجائر بالغربية يقومون بالبيع بأزيد من التسعيرة الرسمية    وزير الزراعة يبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي بين مصر والمملكة المتحدة    تقرير برتغالي: فيتوريا قد يعود لمصر من بوابة الأهلي    محافظ أسوان: غرامة 50 ألف جنيه لمُنتهكي حرم الطريق بالحواجز الحديدية أو «الإستندات»    أمير كرارة نجم شباك التذاكر.. تعرف على إجمالي إيرادات فيلم الشاطر    أميرة أديب تطلق أغنية "أحمد" من ألبومها الجديد    بالصور - جامعة أسوان تُكرم 200 حافظًا للقرآن الكريم في احتفالية روحانية    هل فكرت عائشة بن أحمد في اعتزال التمثيل؟.. الفنانة تجيب    برامج مميزة ومدن جامعية محدثة.. جامعة قناة السويس تبدأ عامها الجديد    تداول 19 آلاف طن و952 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    مديرية أمن الشرقية تنظم حملة للتبرع بالدم لصالح المرضى    الداخلية تضبط عنصرًا جنائيًا بالمنوفية غسل 12 مليون جنيه من نشاط الهجرة غير الشرعية    ارتفاع عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-9-2025 وعيار 21 بالمصنعية الآن    من ميدان الحرية برشيد.. إيقاد الشعلة إيذانًا ببدء احتفالات البحيرة بعيدها القومي    رسمياً.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    الداخلية: ضبط 98665 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    مع اقتراب الخريف.. ما هو الاضطراب العاطفي الموسمي وأعراضه وطرق العلاج؟    "ليكن نور".. المؤتمر الأول لذوي الهمم بإيبارشية حلوان والمعصرة    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    وظائف الأزهر الشريف 2025 .. فتح باب التقديم لوظائف معلم مساعد ب9 آلاف فرصة    فيريرا يطلب مهاجمًا أجنبيًا جديدًا ويمنح الضوء الأخضر لرحيل الجزيري    أسعار الدولار في البنوك المصرية اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وطبق البيض بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوال السعداوى تكتب : لماذا تتخبط النخبة السياسية فى مصر؟

فى طفولتى كنت أسمع أبى يردد هذه العبارة: «رب ضارة نافعة»، لهذا تعودت منذ الطفولة على البحث عن الإيجابيات فى أى تجربة سلبية، ما إن تحل بى كارثة أو مصيبة كبيرة أو صغيرة إلا وأقول لنفسى: رب ضارة نافعة. تكسبنى الفكرة قدرة نفسية وجسمية على تجاوز المصائب، والتغلب على الآلام، بل تحويل الخسارة إلى مكسب بقدر الإمكان، لا أعنى المكسب المادى (رغم أهميته أحياناً)، بل أهم منه فى نظرى المكسب المعنوى والفكرى.
أذكر أنه فى سجن القناطر للنساء فى خريف 1981، كانت أغلب السجينات معى حزينات مكتئبات، حاولت أن أطرد عنهن الحزن والاكتئاب فأخذت أعدد لهن إيجابيات السجن، أولاها: أننا تحررنا من قراءة الصحف اليومية (كانت الصحف من الممنوعات ضمن أشياء أخرى كثيرة)، ثانيتها: أننا أخذنا إجازة من الأزواج أو الآباء أو غيرهم من رجال الأسرة.
أكثر الزميلات اكتئاباً فتاة شابة منتقبة، كانت تضحك رغم أنفها، ثم تضع كفها على فمها تكتم الضحك، وتهمس لنفسها: اللهم اجعله خير يا رب، فالضحك فى رأيها مكروه من الرب، إن الله لا يحب الفرحين، فما بال الفرحات من النساء، والله لا يحب السافرات الكافرات غير المنتقبات.
إلا أن الضحك وإن كتم باليد يظل ضحكاً، يطرد الحزن من القلب لحظة، أو نصف لحظة، يتخلص الإنسان أو الإنسانة من الاكتئاب لحظة أو نصف لحظة، بعد أن تضحك الفتاة تتحرر قليلاً من نقابها، تكشف عن وجهها، تمسح قطرات العرق عن جبينها، تشرب قليلاً من الماء، تستعيد شهيتها للأكل،. بعد أن تأكل وتشرب كوب الشاى تتحرر من جلبابها الأسود الطويل، ومن الطرحة حول رأسها، تنسدل ضفائر شعرها الأسود فوق ظهرها، تفك الضفائر ثم تبدأ فى تسريح شعرها بمشط كبير من العاج، بينما هى سارحة فى تسريح شعرها نسمعها تدندن لنفسها بأغنية: «يا أمة القمر ع الباب يا أمة افتحيله الباب».
يكسبها الغناء شيئاً من المرح، تتحدث معنا.. بل تشاركنا التمرد على مأمور السجن، تقف أمامه متحدية سافرة بعد أن كانت تجرى هاربة ، ما إن تسمع صوت رجل يقترب من زنزانتها.
يتصور أغلب الناس أن تجربة الحبس مريرة مؤلمة سلبية، وهذا صحيح فى معظم الحالات أو كل الحالات، إلا حالة المسجون أو المسجونة التى تكتشف الإيجابيات فى أى تجربة، وإن كانت مؤلمة، هذه القدرة على الاستفادة من تجارب الحياة، تحويل السلبيات إلى إيجابيات، هذه القدرة «إبداعية» تختلف من إنسان إلى إنسان، حسب الشخصية التى تتكون منذ الطفولة، حسب التربية والتعليم الذى يتلقاه الرجل أو المرأة منذ الولادة حتى الموت، هنا تلعب شخصية الأب والأم دوراً مهماً فى تكوين شخصية الأبناء والبنات، لهذا أبحث دائماً عن الأب والأم لفهم شخصية أى إنسان، كما أبحث فى تاريخ الشعب لأفهم شخصية الشعب.
تعرض الشعب المصرى لكثير من القهر والاستعباد الداخلى والخارجى على مدى القرون، وتعرض الإنسان المصرى، الرجل والمرأة، لكثير من القهر والاستعباد، عرف مرارة الفقر والمرض والجهل والهوان، وعرف أيضاً مرارة الحبس وراء القضبان، أو خارج القضبان، فالسجين والسجان وجهان لشىء واحد، كلاهما مقهور بطريقة مختلفة، وإن كان قهر السجين مضاعفاً، والمرأة والرجل مقهوران وإن كان قهر المرأة مضاعفاً.
مهما ارتفع منصب المرأة، لتصبح وزيرة مثلاً، فهى تظل امرأة فى نظر القانون والشرع، يحق لزوجها أن يعاشر نساء أخريات تحت اسم تعدد الزوجات، منذ سنوات قليلة كان من حق الزوج أن يمنع زوجته من السفر خارج القطر، ومهما ارتفعت مكانة المرأة العلمية أو الأدبية فهى تظل تحت وصاية زوجها، أذكر أن زوج إحدى الوزيرات صعد إلى الطائرة ليمنعها من السفر دون إذنه،
وكم تعرضت للإهانة فى كل مرة أسافر فيها خارج مصر، كان علىّ أن أقدم رشوة ما لزوجى حتى يوافق على سفرى أمام ضابط الجوازات، أو يعطينى تصريحاً بالسفر مكتوباً وموقعاً منه وموثقاً باثنين على الأقل من موظفى الدولة يشهدان بصحة توقيع زوجى مع ختم النسر، أحياناً كنت ألغى السفر لأحمى نفسى من هذا الهوان،
 وفى مرة كان زوجى مسافراً فذهبت وحدى إلى مكتب الضابط، وقلت له إن زوجى خارج القطر، فطلب منى أن أحضر رجلاً من أسرة زوجى، أباه مثلاً، قلت للضابط إن والد زوجى مات، قال: أحضرى أخاه، وبلغ بى الغضب مداه، قلت كيف يمكن لدكتورة أستاذة كاتبة مثلى ألا تكون مسؤولة عن نفسها، ولماذا يسافر زوجى دون إذن منى وأنا لا أستطيع السفر إلا بإذن منه؟
اندهش الضابط لسؤالى، مع أنه سؤال بديهى يتماشى مع المنطق والعدل، وقال الضابط: هو رجل وأنت امرأة، حسب القانون والشريعة فإن الرجل مسؤول عن زوجته، لكن المرأة غير مسؤولة عن زوجها. لقد تغير الوضع اليوم، وأصبحت المرأة تسافر دون إذن زوجها، لكنها لا تستطيع تجديد جواز سفرها إلا بإذن من زوجها، وتفسير هذه الحرية الجديدة للزوجة أن موافقة الزوج على تجديد جواز سفرها تعنى ضمناً أنه يوافق على سفرها لمدة خمس سنوات أو أكثر حسب مدة صلاحية جواز السفر، أى أن حرية الزوجة فى السفر لم تحدث فى الحقيقة.
حتى اليوم يمكن لبواب العمارة أو الفران أو ماسح الأحذية أو أى رجل لا يفك الخط أن يشهد بالمحكمة «أو على أى عقد» كمواطن كامل الأهلية، أما المرأة الوزيرة أو الكاتبة أو الأستاذة فهى لا تملك هذا الحق، لأنها ليست إنسانة كاملة بل نصف رجل.
كم تتعرض المرأة للإهانة فى مواقف متعددة، خاصة إذا كانت زوجة، فالمرأة غير المتزوجة تتمتع بحرية وحقوق أكثر من الزوجة، لأن الزوج لا يزال وصياً على زوجته، حسب القانون والشرع.
ما علاقة هذا بعنوان المقال: لماذا تتخبط النخبة السياسية فى مصر؟ لأن قضية تحويل المرأة إلى إنسانة كاملة، أو اعتبار حقوق نصف المجتمع «النساء» حقوق إنسان قضية سياسية من الدرجة الأولى، مثل قضية الديمقراطية، أو الدولة المدنية أو المجتمع، أو العدالة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العائلية أو الإنسانية، لكن النخبة السياسية فى بلادنا غير واعية بهذا الترابط الوثيق بين قضية الديمقراطية، وقضية تحرير المرأة وتحويلها إلى إنسانة كاملة وليس نصف إنسان، تراجعت قضية المرأة فى بلادنا مع الردة السياسية الثقافية وتصاعد التيارات الدينية الرجعية، التى أشعلت الفتن الطائفية بين المسلمين والأقباط، وجعلت وجه المرأة عورة يجب إخفاؤه بالنقاب.
 تحول الحوار الثقافى فى مصر، خلال أعوام قليلة، من حق المرأة فى السفر إلى الخارج دون إذن زوجها إلى حقها فى تغطية وجهها بالنقاب، ردة خطيرة فى الفكر والثقافة والسياسة والدين الصحيح، لأن الدين الصحيح يساوى بين البشر رجالاً ونساءً، الدين الصحيح يعتبر وجه الإنسان كرامته، لا كرامة لإنسان لا وجه له، لا كرامة لامرأة لا وجه لها، لأنها إنسانة مثل الرجل، تخيلوا لو فرضنا على الرجال إخفاء وجوههم تحت النقاب؟
لكن النخبة السياسية فى مصر تتخبط بين مصالحها الآنية الذكورية، «النخبة من النساء أصبحت فى معظمها ذكورية التفكير»، تتجاهل قضية المرأة إرضاء للقوى السياسية الدينية السائدة، أصبح الخوف أو النفاق هو القاعدة، فى كل البرامج المطروحة للإصلاح السياسى لم نجد إشارة إلى قضية تحرير النساء، أو إشارة إلى بناء دستور مدنى، مع أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية حقيقة دون دستور مدنى، ودون تحرير نصف المجتمع النساء. فى كل الاقتراحات الخاصة بالانتخابات الرئاسية انشغل الجميع بمن يكون الرئيس، أصبحت القضية هى توريث الحكم أو ترشيح رجل آخر، هل المشكلة فردية؟، هل هى تغيير الفرد بفرد آخر؟
أم هى التغيير الاجتماعى والتعليمى والثقافى بحيث يتحرر المجتمع والأسرة من الفكر الطبقى الأبوى الذكورى، بحيث يتحرر المجتمع من القهر الطبقى للفقراء والقهر النوعى الجنسى للنساء، بحيث يتساوى الجميع فى الدستور والقانون والتعليم والثقافة، بحيث لا تكون هناك أى تفرقة بين الناس بسبب الجنس أو الطبقة أو الدين أو غيرها، حتى لا تسود السوق الحرة أو أرباح الأقلية على مصالح الأغلبية من البشر، بحيث لا تسود البورصة والمال ورجال الأعمال على العدالة والمساواة الحقيقية بين الناس، بحيث تستقل الدولة اقتصادياً ولا تتلقى معونات. بحيث تطعم الدولة نفسها بنفسها وتنتج طعامها على الأقل، وتنتج ثقافتها ولا تتبع المفكرين الأمريكيين أو غيرهم.
بحيث يكتشف الناس الخداع الإعلامى فى الصحف والفضائيات، أصبح السباق الإعلامى اليوم بين الأثرياء فى الداخل والخارج: من منهم يتحدث أكثر عن محاربة الفقر، أقطاب التجارة ورجال الأعمال من ذوى المليارات فى مصر وأمريكا يتحدثون عن محاربة الفقر، أعضاء لجنة السياسيات من أصحاب المليارات فى مصر وأمريكا يتحدثون عن محاربة الفقر، والسيدة مارى س لوتر «مديرة التخطيط والسياسات بوزارة الخارجية الأمريكية» تتحدث أيضاً عن محاربة الفقر، بماذا تحارب أمريكا الفقر؟ بخلق سوق حرة قوية فى البلاد الفقيرة، تربط أمريكا المعونة الأمريكية بالسوق الحرة بالديمقراطية فى البلاد الفقيرة، ثم تتحدث عن محاربة الفقر، هل تلعب البورصة أو القرصنة فى السوق دوراً فى محاربة الفقر؟
وللحديث بقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.