فى التاريخ مدن سقطت، على يد الاحتلال الأجنبى، مثل غرناطة قديماً، وبغداد حديثاً.. وفى العصر الحالى مدينة، كادت تسقط لولا أن الله سلم.. أتحدث عن مدينة كفر شكر، أو دائرة كفر شكر بمعنى أصح.. ولا فرق بين سقوط غرناطة وبغداد، وسقوط كفر شكر فى قبضة الحزب الوطنى، فى انتخابات ليست انتخابات بالمرة.. وهى هجمة تتارية، كان يقودها الوزير محمود محيى الدين، قبل أن يخطفه البنك الدولى! ولا أخفى شعورى بالارتياح الشديد، لسببين: الأول أن ابن كفر شكر فاز بمنصب دولى مرموق، والثانى، وهو الأهم، أن مدينتى سوف تبقى بمنأى عن الحزب الوطنى، فقد اقتضت مشيئة الله أن يترك «محيى الدين» كفر شكر، قبل أن تسقط فى قبضة الحزب الوطنى، لتبقى دائرة معارضة للأبد، ولا أظن أن أهلها كانوا يسلمونها تسليم أهالى، إلى وزير أو غيره من رجال الحكومة! فالمعروف أن هذه الدائرة، لم تكن فى يوم من الأيام دائرة حكومية، وكانت نقطة حمراء فى يوم الانتخابات، وكانت خطاً أحمر فى مواجهة النظام كله.. وكانت هذه الدائرة تحظى بتغطية إعلامية عالمية، وكان يمثل المدينة فى هذه المواجهة مع النظام، السياسى الكبير خالد محيى الدين، ولم يكن وقوف الناس معه فى معاركه لأنه يحارب من أجل كرسى العائلة، وإنما لأنه يعارض النظام! وعندما تبدل الحال وتغير الحال، من أيام الرئيس السادات، إلى أيام الرئيس مبارك، تغيرت الأمور، وجرت مياه كثيرة، وتقدمت السن بواحد من كبار الضباط الأحرار، ولانت لهجته السياسية، ولان خطابه السياسى، فاتجه أبناء المدينة للتغيير، منذ عام 1995، وحدثت هزات فى تاريخ النائب خالد محيى الدين، خلقت شعوراً كبيراً بتغييره، ليتقدم مرشح الوفد محمد سرحان! فى هذه اللحظة أدرك النظام، أن «خالد» يكاد يسقط بالضربة القاضية، وهنا تدخلت أصابع خفية، ليس هذا وقتها، لتساند ابن الثورة، ويدخل «خالد» مجلس الشعب مرتين مهزوماً فى عهد مبارك، كما خرج مرات كثيرة، وهو منتصر فى عهد السادات.. لكنه كان قد ترك الدائرة وتراجعت مواقفه وخدماته، واستمرت الرغبة فى التغيير، ليسقط فى 2005 أمام تيمور عبدالغنى، أحد شباب الإخوان! يبقى أن نعرف أن خلافاً كبيراً، قد نشب داخل عائلة محيى الدين، فى الانتخابات الماضية، لأن الوزير الشاب محمود محيى الدين، يريد أن يرشح نفسه على مقعد خالد محيى الدين، وغضب «خالد» غضباً شديداً، وتدخلت رموز سياسية بالصلح، انتهى لصالح الرجل الكبير.. وفقد خالد مقعده بسهولة شديدة، وفقد آل محيى الدين مقعد العائلة، الذى كان يبحث عنه الوزير الشاب! جائز أن يكون محمود محيى الدين، له طموح سياسى مثلاً، ولا يستطيع أن يمارسه إلا من خلال كرسى البرلمان.. جائز.. وجائز أيضاً، وهو الأرجح، أنه كان يسعى لاستعادة كرسى العائلة، وهو وزير، وكان ذلك سيكلفنا كثيراً، لأن النظام كان سيقف معه، وأجهزة الأمن، لينجح الوزير ويفوز بالمقعد، الذى ظل محسوباً لصالح المعارضة، وليس لصالح محيى الدين.. وأنقذنا البنك الدولى! باختصار، لم تكن دائرة كفر شكر، دائرة خالد محيى الدين، لأنه محيى الدين.. وإنما كانت دائرة لرجل اختار أن يعارض النظام.. مرة فى عهد السادات، ومرة أخرى فى عهد مبارك.. فلما انتهى دوره غيروه مرتين.. فى الأولى أبقى عليه النظام، وحدثت صفقة، وفى الثانية تركوه جميعاً لينتهى وحده، تمهيداً لسيطرة الحزب الوطنى، تداعبه أحلام عريضة لإخضاع مدينة معارضة.. فهل تسقط مدينة كفر شكر كما سقطت بغداد؟!