ترهن عائلات وأسر مستقبلها كله بنجاحها فى إلحاق أحد أبنائها بكلية الشرطة، فقط ليصبحوا «أهل الباشا»، لكنهم لايعلمون أبدا حجم التضحية التى يقدمها «الباشا»، قانعا أو مرغماً. فضابط الشرطة منذ أن يبدأ أول يوم دراسة فى الكلية، يهب حياته وروحه من أجل الحفاظ على أمنى وأمنك، فإذا تخرج دخل دائرة عمل مفرغة، ليس لها بداية أو نهاية، يدخل فى تأدية مهام عمله الرئيسية لينتقل إلى تولى خدمة ما، ثم إلى تشريفة أو غيرها غالبيتهم يسرقون ساعات نوم فى المكتب. والذى يعايش ضابطا فى الأمن العام أو الأمن المركزى أو الحراسات، سيكتشف أن قاموس حياته لا توجد به كلمات مثل «أسرة أو أبناء أو فسح ورحلات»، فإذا حصل على راحته المقررة، وجدها فرصة ذهبية لينام مثل كل البشر، وإن كان لا يستطيع أن يغمض كلتا عينيه - خشية استدعاء مفاجئ- ويحرم على أولاده الاقتراب من حجرته، فعلاقته بهم تكون عبر التليفون، وحين شكوت لأحدهم أنى أعود إلى بيتى فأجد بناتى نائمات وأغادر فى الصباح وهن على نفس الحالة، أجابنى بأنه يعود إلى منزله ليجد أولاده قد كبروا! يخرج ضابط الشرطة إلى مأمورية عمله وهو لا يدرى إن كان سيعود، ليواصل الرسالة، أم سنزفه إلى السماء مثل كثيرين، أنهت حياتهم رصاصة غدر خسيسة من خارج على القانون، تاركين خلفهم مأساة بحجم زوجة ترملت وأبناء تيتموا وآباء وأشقاء تكويهم لوعة الحسرة والفراق- مع كامل إيماننا بأن لكل أجل كتاباً. وإذا نظرت إلى ماذا يمكن أن يترك «الباشا الشهيد» لأسرته، ستكتشف أنه ترك شهادة فى برواز على الجدار، ومعاشاً هزيلاً لا يسد أبسط حاجات أسرته. وضابط الشرطة يتخرج فى الكلية ليحصل على راتب لا يتخطى الألف جنيه- على الأكثر- ولا يزيد راتب ضابط برتبة رائد، يتولى مسؤولية رئاسة وحدة مباحث، على 1400 جنيه، ويمكن أن يحصل اللواء على 2500 جنيه كل شهر. ومطلوب من الضابط أن يكون مظهره حسنا فلا يرتدى إلا الملابس الأنيقة الفاخرة، ولا يجلس إلا فى أماكن معينة، أضف إلى ما سبق مصاريف المكتب من قهوة وشاى وخلافه كثمن السجائر وغيرها. العمل فى جهاز الأمن رسالة سامية وشرف لا يناله إلا من يستحقه، لكن دخل من يؤدون هذه الرسالة ومعاشهم يحتاجان إلى مراجعة كى نضمن تأديتها دون بقع سوداء تلوث الثوب الناصع. [email protected]