يقول الدكتور سامى الطايع، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، الخبير الإعلامى بالأمم المتحدة، عن «البرامج الحوارية»: «إن هذه البرامج فعّالة ولها تأثير كبير على المجتمع، ولا يمكن نكران قدرتها أكثر من غيرها على تشكيل الرأى العام خاصة فى المجتمع المصرى الذى ينشغل معظمه طوال الوقت بالبحث عن (لقمة العيش)، وترتفع فيه نسبة الأمية والفقر بحيث لا يستطيع معظم أفراده قراءة الجرائد ومتابعة المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت». ويتابع: كأى مجتمع يحتاج أن يتابع الأحداث ويستهلك المعلومات فلا يتوافر أمامه سبيل سوى البرامج الحوارية التى تصبح فى ذلك الوقت مصدر المعلومات لقطاع عريض من الجمهور، ويستطرد: «البرامج الحوارية هى المسؤولة للأسف عن تكوين الرأى العام، وهى بدلا من أن تقوم بهذا الدور بشكل جيد وإيجابى تعمل على إلهائه فى خلافات بين أشخاص وأشياء عبثية تماما، فأصبح بعض هذه البرامج مثل الصحافة الصفراء لا توعى الناس ولا تُحدث تنمية مجتمعية». وعن الجوانب الإيجابية بالبرامج الحوارية، يقول: «لا ننكر أن هناك بعض البرامج الجادة التى تعمل على توعية الرأى العام بشكل حقيقى، ولكن توجد عليها بعض المآخذ أيضا، لأنها تشترط فى مقدميها أن يكونوا من المشاهير ولهم قدر من النجومية لدى الناس حتى وإن لم يكونوا مؤهلين، وكذلك من حيث الضيوف أيضا، فتتم استضافة ضيوف بعينهم ليقولوا كلاما بعينه، وبالتالى يصبح كثير من البرامج الحوارية لا يتسم بالمهنية ولا الحياد، واللغة المستخدمة فى بعض البرامج متدنية لأبعد مدى». ويرى الدكتور محمود خليل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن القنوات الفضائية الخاصة ارتكبت خطأ لا يُغتفر، لأنها أعطت الفرصة والمساحة لأشخاص لا يمتلكون أى قدر من المهنية أو الخبرة للعمل بالمجال الإعلامى، وتقديم برامج مهمة تتابعها شرائح عريضة من الجمهور، مثل بعض مقدمى البرامج الحوارية الرياضية، فمثلا فى الأزمة التى تبعت مباراة مصر والجزائر الأخيرة خرج علينا أحد مقدمى البرامج الرياضية ليصف الجزائر بأنها «بلد المليون لقيط» بدلا من كونها «بلد المليون شهيد». ويستطرد: «لا أدرى كيف أعطى لنفسه المساحة والحق أن ينال من تاريخ بلد عربى بهذا الشكل، لمجرد أن يرضى غَضْبة الجمهور ويكسب ودّه، أو حتى يعبر عن انفعاله الشخصى وتحيزاته العاطفية، فهذا ليس بمهنى ولا أخلاقى على الإطلاق، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على سوء الفهم والتقدير. كثير من القنوات الخاصة تلجأ لنجوم كرة القدم من أجل تقديم برامج حوارية رياضية ونحن جميعا نعلم أن كثيرين من هؤلاء غير حاصلين إلا على مؤهلات متوسطة، وبعضهم أظن أنه ربما لا يعرف القراءة والكتابة أصلا». ويتساءل: كيف يصبح هؤلاء مقدمى برامج ومساهمين فى تشكيل الرأى العام تجاه فكرة أو موضوع بعينه حتى وإن كان رياضياً؟ فها نحن قد رأينا أن مباراة كرة قدم- بسبب جهودهم العظيمة فى تعبئة الناس وشحنهم قبلها وبعدها- كانت قادرة على إفساد العلاقة بين دولتين عربيتين، ولو تطورت الأمور أكثر من ذلك لربما وصلت لحرب بين الدولتين، وبوجه عام فإن اللغة المستخدمة فى هذه البرامج أصبحت هى نفس اللغة المستخدمة على المصاطب وفى المقاهى. ويشير د. خليل إلى أن بعض مقدمى هذه البرامج يستخدمون برامجهم فى تصفية حسابات شخصية مع أشخاص بعينهم، ولا يُراعون حتى التأدب اللفظى، ولن نقول هنا المهنية لأنها بعيدة كل البعد عنهم.. فكل من يوجه حديثاً للناس على شاشة التليفزيون بصفته إعلاميا لابد أن يتسم بالمهنية ويملك قواعد المهنة ويكون واعيا بدرجة كافية تؤهله لتشكيل آراء غيره، وكون شخص ما سطع نجمه فى مجال ما والناس يحبونه فى مجاله، فهذا لا ينفى أنه غير مؤهل لأن يصبح إعلامياً جيداً، والإعلامى غير المهنى قد يرتكب كوارث.. بلا مبالغة». ويضيف: «لا أدرى كيف ينص قانون نقابة الصحفيين على الصحفى أن يكون حاصلا على مؤهل دراسى عال، ولا يُشترط هذا فى مقدم البرامج الذى تتعرض لحديثه شرائح عريضة من الجمهور والأكثر تأثيرا على الرأى العام والأكثر جماهيرية.. يجب التأكد من أن مقدم البرامج حاصل على مؤهل عال، ودائم التدريب على أحدث التقنيات الإعلامية ومستهلك للمعلومات أكثر من كونه منتجا لها». وعن محاولات إرضاء الجمهور، يقول: «بعيدا عن مقدمى البرامج الحوارية الرياضية الذين ربما لهم عذرهم بعدم وعيهم، هناك إعلاميون آخرون ينساقون للرأى العام السائد ولا يخلقونه، ويحاولون إرضاء الجمهور طمعا فى النجومية حتى وإن كان عملهم سيبتعد عن المهنية، وهذا طبعا خطأ كبير لأن الإعلامى يستطيع أن يحقق النجومية إذا حافظ على مهنيته ولم ينسق للتيار». ويؤكد الدكتور محمود علم الدين، أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، «أننا لا نستطيع القول بأن هناك نوعاً معيناً من الإعلام هو المسؤول عن تكوين الرأى العام وتوجيهه، خاصة فى ظل مجتمع مثل المجتمع المصرى يتحرك داخل الحذاء أولاً.. وربما يعدل قناعاته أو يغير آراءه لكنه لا يتحرك ليفعل أى شىء على أرض الواقع ومن ثم يصعب فى أحيان كثيرة رصده ومعرفة توجهاته». ويتابع: «كل وسيلة إعلامية تستهدف فئة معينة من الجمهور، وإن كان لا أحد ينكر أن توزيع الصحف قد تراجع بصورة كبيرة ومفزعة، وأصبح الناس يعتمدون على وسائل أخرى أكثر سهولة وتبسيطا للمعلومة وأقل تكلفة، وهذا من وجهة نظرهم متوافر فى البرامج الحوارية.. لذا يجب الاهتمام بها، واختيار مقدمين أكفاء لها يستطيعون فعلاً تكوين رأى عام واعٍ وناضج وعمل نهضة مجتمعية».