«الفكرة أن الإعلامى يعمل على استقطاب الناس عاطفيا، وإرضائهم وكسب ودّهم من خلال قول ما يريدون سماعه، فيظهر أحدهم بمظهر المعارض الشجاع، ويظهر آخر بمظهر الشخص الذى تنفلت أعصابه ويفقد القدرة على انتقاء ألفاظه ولغته فى سبيل الوقوف مع الحق لكى يراه الناس بطلاً ونجماً.. وهذا شىء فى غاية الخطورة على المجتمع». هكذا أكدت الدكتورة نادية حليم، أستاذ الاجتماع بجامعة القاهرة، وتضيف: «المفترض أن الإعلامى يخاطب عقول الناس وليس عواطفهم، فلابد أن يتم طرح أى قضية بشكل متوازن ومحايد، ويتم عرض وجهة نظر جميع الأطراف والأبعاد، والنظر إلى النتيجة النهائية التى قد نصل إليها فى حال عدم تفكيرهم فيما يقولونه». وتتابع: «ما نراه فى كثير من البرامج الحوارية التى من المفترض أنها تشكل الرأى العام حاليا أنها تبتعد عن كل هذا تماما، فبعضهم يقول ما يريد الناس سماعه، وبعضهم يقول ما يريد المسؤولون سماعه.. ولكل من الطرفين حساباته الشخصية، فالبعض يود لو ظهر كنجم وبطل قومى فى أعين الناس، والبعض له حساباته مع المسؤولين، والضحية فى هذا هو المجتمع الذى يصبح مشحونا عاطفيا وأكثر تعصبا تجاه فكرة أو اتجاه بعينه». وتشير إلى أنه فى أحيان أخرى يتحول اتجاه المواطن مع هذه البرامج إلى سلبى تماما، ويصبح معها يائساً من الحياة ولا يرى أملا فى أى شىء. وتقول: «ليتهم حتى يشحنون الناس عاطفيا تجاه قضايا مهمة وإيجابية، ولكن البعض يستغل المساحة المتاحة له بشكل سلبى يضر بالمجتمع تماما.. ويكفينا ما رأيناه بعد أزمة مباراة مصر والجزائر بسبب الشحن الإعلامى الذى حدث قبلها وبعدها». ويقول الدكتور محمود زكى، أستاذ الاجتماع بجامعة حلوان: «نحن مجتمع يميل بطبيعته إلى من يحاول أن يستقطبه عاطفيا، ويقنعه بكلامه من خلال استخدام كلمات تخاطب عاطفته وليس عقله، وكثير من الإعلاميين يستغلون هذا لكى يكسبوا ودّ الناس ويكونون نجوميتهم الخاصة، دون النظر إلى أن هذا الأمر ضار تماما بمصلحة المجتمع». ويشير إلى أن الرأى العام الذى يتم تكوينه بناء على عواطف الناس وإنفعالهم «الوقتى» سيكون ضار جدا بمصلحة المجتمع والمصلحة العامة، كما أن الإعلامى الذى ينفعل أمام الكاميرا لكى يراه الناس بطلا و«مبيخافش» لابد أن يقدر خطورة هذا على مجتمعه، بغض النظر عن أن الانفعال فعل لا يعبر عن النضج أصلا». ويوضح «زكى» أن مقدمى البرامج الحوارية الرياضية يؤثرون بشكل خطير على الشباب، لذلك يجب انتقاء من يقدمون هذه البرامج بعناية كبيرة تتناسب مع حجم الشرائح التى سيستمعون لأفكارهم وآرائهم. بينما يحذر دكتور حسن سلامة، أستاذ الرأى العام بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، من خطورة هذه البرامج اجتماعيا فهى عندما تعرض موضوعا ما فإنها تقوم بعرضه وفقا لتوجهات القناة وليس بما يتوافق مع الموضوع، وليس بما يراعى أى معايير للمهنية الإعلامية فى أن تنقل زوايا الموضوع بشكل متوازن، لكى يتمكن الجمهور من اختيار الرأى الذى سيتبناه.. لكن ما نجده فى كثير ممن يقدمون هذه البرامج أنهم لا يعرفون شيئا عن هذا.. لربما لا يعرفون أصلا ما تعنيه البرامج الحوارية ومدى تأثيرها فى تزويد الناس بالمعلومات وتشكيلها للرأى العام، وما نلاحظه هو أنهم لا يعرفون سوى الصوت المرتفع والتأثير على الناس من خلال التأثير عليهم عاطفيا، وهذا جدير بأن يكوّن رأيا عاما مضللاً ووجهات نظر مبتورة. ويضيف سلامة: «مصادر المعلومات الآن أصبحت كثيرة ومتعددة، فكثير من الشباب يرتادون مواقع الإنترنت ويطلعون على مختلف الأخبار، وهذا ينمى وعيهم تدريجيا، وعندما سيتبين لهم كذب ما تروجه وسائل الإعلام المصرية سيفقدون الثقة فيها وسيتجهون لمصادر معلومات أخرى، وهذا شىء فى غاية الخطورة مجتمعيا لأنه سيفقد الإعلاميين المصريين القدرة على تكوين الرأى العام فى بلدهم».