خرج علينا السيد وزير التعليم أحمد زكى بدر الأسبوع الماضى برأى خطير حين قال فى اجتماع لجنتى التعليم والبحث العلمى والشباب بمجلس الشورى إن منع الضرب فى المدارس قد أفقد المدرس هيبته فأصبح «ملطشة» للآباء والأمهات الذين يحررون محاضر بالضرب للمدرس الذى ينزل عقاب الضرب بأطفالهم، كما أطلعنا السيد الوزير على ذكريات طفولته حين كان مدرسوه يضربوه عشرة عصيان وعندما يتعب يتم تكملة الضرب فى اليوم التالى. ومن هنا استخلص أن الضرب كان سبب احترام للمدرس. جميل جداً أن يهتم السيد وزير التربية والتعليم باحترام المدرس، ولكن ما هو ليس جميل بالمرة هو ربط ضرب التلاميذ بهيبة المدرس، فهكذا يختزل سيادته سوء حال المدرس المصرى فى أسلوب تربية عفا عليه الزمن وجرمته الحكومة المصرية نفسها بعد حوادث متكررة راح ضحيتها تلميذ فقد حياته على يد مدرسه وآخرين أصيبوا بجراح وعاهات بعد أن أصبحت المدارس ساحة لحرب غير متكافئة. يقول السيد الوزير إن الآباء والأمهات عليهم أن يتركوا أبناءهم أمانة فى أيدى المدرس الذى سيحل محلهم فى المدرسة.. من أين يمكن أن تأتى تلك الثقة بعد حوادث الضرب المعلومة للجميع! كما أن الخطير فى موضوع الإيذاء البدنى للتلميذ أنه يؤدى إلى أذى نفسى لا يمكن تعقبه وإثباته لأن مداه طويل، يفقد التلميذ حبه للعلم وتتراكم لديه كراهية للمدرس وللمادة التى يقدمها، وبالتالى تتزايد نسبة التسرب من التعليم فى الحال الأسوأ والفشل التعليمى فى الحال الأفضل، أما السؤال الأهم الذى أود طرحه فيتعلق بفقدان المدرس هيبته، وهو ما يستحيل تلخيصه فى قرار منع الضرب. إن فقدان المدرس هيبته يا سيادة الوزير هو نتيجة مباشرة لسياسات الحكومة المصرية المتعلقة بالتعليم، لقد تم إفقار المدرس اقتصاديا فاضطر لزيارة التلاميذ فى البيوت من أجل دروس خصوصية، هذا إن كان المدرس محظوظا بهذا البديل، لأن الجميع يعلم أن فى بعض محافظات مصر لا يملك المدرس هذا الخيار، ونتيجة الرواتب الهزلية يضطر المدرس للعمل نقاشا ومشهلاتى وطبالا وراء راقصة. وفقر المدرس ليس فقط فقراً مالياً، ولكنه أيضا فقر علمى لأن الحاجة إلى الحد الأدنى من المال الذى يضطر المدرس لقبول أى عمل إضافى يجعله مربوطاً فى ساقية لا تسمح له بالقراءة والاطلاع. فى بعض الأحيان يسخر التلميذ الذى يأتى من عائلة لديها قدر من الثقافة من مدرسه لأنه يعرف أكثر منه، كيف يمكننا أن نطالب هذا التلميذ باحترام مدرس لديه فقر معرفى ولديه العذر فى ذلك. وأعود مرة أخرى إلى تصريحات وزير التعليم حين علق على حال تلميذ دخل إلى فناء المدرسة بموتوسيكل وعندما علم الوزير بالواقعة وبنية المدرسة فصل التلميذ بعد الامتحانات صرح الوزير بضرورة فصله «الآن». اتسمت آراء السيد الوزير بطابع أمنى شديد القسوة وغير تربوى، فمن قال إن التلميذ الذى يرتكب خطأ يتم فصله فورا دون إنذار أو حوار أو تأنيب. إن سياسة العقاب القاسى سواء كان ضرباً يجب شرعنته حسب رأى وزير التعليم أو فصل فورى يجعلنى أرى تشابها بين حال المدارس المصرية ومعتقل جوانتانامو سيئ السمعة، حيث القبض على المتهمين والتعذيب بعيدا عن القانون ومواثيق حقوق الإنسان.. فلنعيد قراءة المادة 19 فى اتفاقية حقوق الطفل رقم 260 لسنة 1990 على الآباء والأمهات وأصحاب الضمائر أن يحملوا الوزير مسؤولية أى ضرر يقع لطفل مصرى واحد بسبب تصريحات لا يجب أن تمر ببساطة.