يقف أمام المسجد القديم الذى يحمل رفات أحد أولياء الله الصالحين، يبالغ فى تحسس شاربه الكث ويستعرض بعضلاته المفتولة، تلمع عيناه الغارقتان فى السواد بذكاء فطرى، يتأمل الجمع الزائر وينادى: «مراجيح رشا وحمادة.. قرب يا بيه قربى يا هانم»، عندما تقترب منه وتحادثه تشعر بأنك أمام فيلسوف، لقد أخذ «عم أحمد» الحكمة حسب قوله من دنيا الموالد، يعتبر الدنيا أرجوحة إذا علت بك للحظات فإنها ستهوى بك قطعاً. يظن أنه ملك زمانه، لا تستطيع أن تنسى مظاهر الرضا على وجهه، فالابتسامة التى تبدأ مع كل مولد، قد تخبو لأيام لكنه كما يقول يعيش بالأمل الذى يكلله بالرخاء مع قدوم مولد جديد، يرتحل مع أدواته ليقيم أرجوحته ومعها دنياه. كان يدير مشروعه الصغير المكون من أخشاب أرجوحته وحماره وعربة كارو يحمل عليها أشياءه، بمبدأ اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، يعلم أن مكسبه مرتبط بالمواسم، لكنه يعمل بصيغة الشغيل طوال العام، يكسب كثيرا وقت الموسم، لكنه يقتصد فى غيره، فهو يدرك السر جيدا، كن شفافا وتعامل مع الناس بضمير وامنح نفسك شرف الكسب الحلال وانعم بالقناعة، فتحقق له ما أراد، لم يدرس علم الإدارة ولكنه ملك إدراكا علمته إياه ليالى الموالد بصخبها وقسوتها. تذكرت هذا الرجل الذى مر بخاطرى بعدما قرأت سطور الزميل أيمن حمزة فى عدد «المصرى اليوم» عن إضراب فى مدينة الملاهى «ماجيك لاند» بعد بيعها لمستثمر هندى، هندى والله العظيم هندى، أسقط فى يدىّ، وقررت أن أدعو جميع المصريين للذهاب إلى أطباء تجميل لنعالج العيوب التى أصابت وجوهنا من جراء الأمور العجيبة الغريبة التى تتحفنا بها حكومتنا العلية يوما بعد يوم. أشعر بأننا نعيش فى عالم سمسم وليس عالم الأحياء، فالملاهى التى كانت الحكومة تعدها «ديزنى لاند الشرق»، هكذا ذكروا فى الإعلانات التى سبقت افتتاحها وجاءت بنكهة «الريادة» التى يحمل صفوت الشريف براءة اختراعها، وتسلمها، بعد سنوات، أنس الفقى ليخطو بها خطوة أخرى مختلفة تظهر عمق نظرته ونفاذ رؤيته، فباعها لمستثمر هندى من بتوع المراجيح، ولم يكلف خاطره أن يبحث فى موالد مصر المحروسة عن «عم أحمد» ليدير له المركب الغارق فى وحل الفساد وسوء الإدارة، فقد أراد بيع المراجيح لتضاف إلى سجل إنجازاته الباهرة. أذكر الآن ما ردده نظيف عند بداية توليه مسؤولية الحكومة «لا توجد مشكلة غير قابلة للحل»، وتساءلت فى نفسى: «ألم يكن هناك حل سوى بيع مراجيح ماجيك لاند؟» وعدت إلى صوابى ونهرت الذات على السؤال فى دولة تكره الأسئلة، وتذكرت أن حكومة الديجيتال لا تعرف سوى البيع، ورحت دون وعى أقلب صفحات كتاب السيد «نظيف» ذى الغلاف المصقول المعنون ب «60 إنجازا فى 60 شهراً»، لأطرد أرواح الشياطين التى ملأت نفسى نقدا ونقمة، لتنزل سطورها بردا وسلاما على ذاتى المتشائمة السوداوية، ولكن جاءنى «عم أحمد» صارخا فى وجهى قائلا: «حتى المراجيح يا بلد»، يضرب كفا بكف ويردد: «الهندى بيزاحمنى فى أكل العيش يا بلد، الهندى بيشترى مراجيح بلدى يا بلد». [email protected]