وكأنى فى مجتمع آخر، أتلفت حولى فأرى كل الألوان حمراء، قلوب ودباديب تزين الشوارع كما المقاهى والمطاعم والمحال.. الإعلان عن حفلات غنائية ودعوات لحفلات خاصة، ورسائل تفيض حبا وهياماً وتتفنن كلماتها فى وصف مشاعر تاهت وضاعت منذ زمن بعيد! كل هذا الحب بسبب عيد القديس «فالنتين» الذى دفع حياته ثمنا لحبه، فما الذى دفعناه نحن مقابل هذا الحب الظاهرى؟! وهل هذه المظاهر تعبر عن حب حقيقى، وإذا كانت فلماذا لا تظهر فى عيد الحب المصرى الذى نحتفل به فى شهر فبراير؟ هل للأمر علاقة بتعلقنا بكل ما هو أجنبى؟ وهل لا يوجد فى تاريخنا الممتد منذ آلاف السنين قصة حب تفوق قصة السيد «فالنتين»؟ دعونى أعترف لكم بأنى لا أصدق هذه الظاهرة التى تجلت فى السنوات الأخيرة بالاحتفال بعيد السيد القديس، ولا أصدق أن من الأزواج من يحتفل به - إلا ما ندر - وأن الذى يستفيد ويسعى إلى ترسيخ هذه الحالة الكاذبة من الحب، شباب له ثقافات مختلفة عن المجتمع الذى يعيش فيه، وأصحاب مصالح يروجون لهذا العيد لأنهم يستفيدون منه. فلو كان لدنيا كل هذا الحب فما هو انعكاسه على حياتنا؟.. تأملوا ارتفاع معدلات الطلاق، وتأخر سن الزواج، وعدد الجرائم العائلية سنويا، وجرائم الاغتصاب والتحرش الجنسى وتساءلوا: أين الحب من كل هذا؟ أى حب هذا وأين، ونحن نرى المصريين فى أسوان والعريش وجنوب سينا ينامون فى العراء، فيما تتصارع الحكومة ورجال الأعمال من أجل إرسال بطانية ومرتبة؟ أى حب هذا وأين، ونحن نتقاتل ونموت من أجل أنبوبة بوتاجاز ورغيف خبز؟ أى حب هذا وأين، وجرائم قتل إخواننا المسيحيين تتكرر ونحن لا نتعلم أو نقول الحقيقة أو نواجه واقعنا بكل صراحة؟ الحب ليس هو الذى يجمع بين قلبين، بل هو الذى يحرك القلوب نحو حب لكل شىء، للأرض والزرع والبشر. أما الاحتفال بحب «العيال» فهو لا يعبر إلا عن مجتمع غير ناضج، يشعر بالحب ويطلقه عند الفوز، فقط، فى مباراة كرة قدم، أو فى حرب لم تعد حتى متاحة، أما عند الهزيمة أو الانكسار، فلا أحد يحب أو يعبر عن حبه، بل ينكفئ على نفسه، ينهزم داخلياً، يهرب أو يفسد، فيمد يده ليجهز على ما تبقى من المجتمع المهزوم، معلياً قيمة «حب العيال» وتقاليعهم. مصر الآن مهزومة داخليا، فى حاجة إلى عيد حب حقيقى يعيد إليها حيوية نضبها الذى لا يتوقف أبدا مهما تحالف عليها الشياطين، فلديها أبناؤها المحبون وإن تواروا أو أبعدوا.. فالحب الحقيقى الكبير لا يحتاج إلى السيد «فالنتين»، ولكنه يحتاج إلى فرصة حقيقية للتعبير عن نفسه! [email protected]