لمشاعر الأبوة فى سحارة ذكريات الكاتبة الصحفية أمينة النقاش مساحة شاسعة، تمتد من إحساسها المرهف بحنان الأب مرورا بتضحية الأخ الأكبر «رجاء» الذى أخذ مكانة الأب بين أخوته ووصولا إلى محطتين من الحزن الغفير على رحيل الأخ «وحيد- الناقد الفنى بالأهرام» ثم رحيل الأب إثر أزمة قلبية. تقول أمينة النقاش بعينين دامعتين: أغلب ما أحتفظ به من ذكريات فى سحارتى تلك التى تدور عن عبد المؤمن محمد النقاش.. ذلك الأب المتفانى، فقد توفيت أمى وأنا بنت الثامنة وتركت له 8 أبناء كنت أصغرهم ليقوم بدور الأب والأم فى حياتنا.. كان معلما للغة العربية وهو من قام بتعليمى القراءة.. كما كان يجمعنا ليلا أنا وأخوتى ليقرأ لنا الشعر العربى مع إعرابه، إضافة لقراءة القرآن وتفسير آياته وشرحها.. فلم يكن أبى معلما عاديا بل كان كاتبا وشاعرا وقارئاً عميقاً للتراث العربى والإسلامى.. وهذا ما جعل منه شخصا مستنيرا واعيا.. وأذكر أنه عندما حاول أشقائى الذكور فى فترة مراهقتهم أن يمارسوا بعض أشكال الوصاية علىّ، تصدى لهم وساوى بيننا فكنت أنا وأشقائى الثلاثة الذكور نُعامل فى المنزل كشخص واحد، كما أننى كنت الأكثر قربا منه وكنا نذهب سويا للسينما والمسرح.. ولمست فيه شدة التسامح والبحث الدائم عن نقاط الاتصال مع المختلفين معه، ودليل ذلك أنه كان محبا شديدا للزعيم جمال عبدالناصر رغم أن والدى وفدى، لكنه كان يرى فيه متمما لمبادئ الوفد من مطالبة بالحرية والعدالة وليس مناقضا لها، وكان يقول لنا «لولا الوفد وعبدالناصر ماكنتوش اتعلمتوا» وبكاه بشدة عند وفاته كما بكى الزعيم مصطفى النحاس.. فقد تمتع أبى بروح عادلة مستوعبة للتراث ومنقبة دائما عن مواطن الخير حتى فى نفوس أعدائه.. أحمل بسحارتى أيضا ذكرياتى مع «الأب الثانى» أخى الأكبر رجاء النقاش فقد كنا كحال الأسر الفقيرة ننتظر العون والسند من الأخ الأكبر وتلك هى المسؤولية التى تحملها رجاء، حيث خرج للعمل منذ أن كان طالبا بالثانوية العامة بمنتهى التضحية والبسالة وهو العطاء الذى منحه رجاء لكل المحيطين طوال خمسين عاما دون كلل ولولاه ما كنا أنا وأخوتى لنكمل تعليمنا بعد رحيل والدى، الذى بدأت تظهر عليه النزعة للوحدة منذ وفاة أخى وحيد النقاش– الناقد الفنى بالأهرام– والذى توفى فى باريس.. ليسكن الحزن أبى حتى يموت فى حضنى بأزمة قلبية.. أختزن فى سحارتى المرارة والغصة ممثلة فى 230 جنيها هى كل ما تمكنت من إدخاره أثناء بدايات عملى وكان فى نيتى أن أكمل عليها لأحقق أمنية أبى فى الحج لكنه مات قبلها ومن يومها وأنا أعتبرها ملكه وأحتفظ بها داخل أحد الصناديق وبجوارها ساعتان وسبحتان كان أبى يمسك بهما دائما إضافة إلى نظارته ومفتاح بيتنا الخاص به .. أما رجاء فأحتفظ بكل كتبه التى أهداها لى وبالصور التى تجمعنى معه.