أستطيع أن أتفهم النصيحة الغالية لسلفنا الصالح بالكف عن الخوض فيما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم. لا شك أنهم شاهدوا المسلمين منقسمين فى تقييمهم لهذه الأحداث الجسام، وانحصروا فى الماضى الذى لا يريد أن يتحول إلى ماض، وأهملوا تحديات الحاضر واستشراف المستقبل.. هكذا تصبح نصيحتهم عين الحكمة، لكن كثرة القيل والقال شىء وأن نسمى الأشياء بأسمائها شىء آخر، ولا يمنعنا الحرج من أن نصف الصواب بأنه صواب والخطأ بأنه خطأ، فالتهاون فى ذلك ينزع المصداقية عن مبادئ الدين نفسه. ................ من الحمق أن نحمل - نحن السنّة - عبء الدفاع عن أخطاء الأمويين، بحجة صحبتهم للنبى (صلى الله عليه وسلم)، فإذا كانت الصحبة لم تمنع معاوية من قتال الإمام على، وهو يعلم فضله ومكانته وسبقه فى الإسلام لأكثر من عشرين عاما، كان الإمام علىّ يحمل عبء الدعوة مع إخوانه أبى بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، فيما كان معاوية فى الفريق الآخر حتى أسلم فى فتح مكة. وحتى حجته فى رفض مبايعة الإمام على حتى يأخذ الثأر من قتلة عثمان (وهو يعلم أنه لا يملك القوة المسلحة التى تكفل له ذلك)، فإنه حين استتب الأمر لمعاوية تجاهل القصاص من قتلة عثمان! وإذا كانت الصحبة لم تمنعه أيضا من تحويل الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض ثم توريثه لابنه يزيد، الأمر الذى ترتب عليه مذبحة كربلاء ومقتل الحسين.. ولا يشك عاقل فى أن عليا والحسين كانا أحب إلى قلب رسول الله من معاوية ويزيد! فإذا كانت صحبته للنبى لم تمنعه من ذلك كله، فإنها يجب ألا تمنعنا نحن أيضا من تخطئته، دون أن نشكك فى إيمانه كما يفعل سفهاء الشيعة، فلا ريب أن معاوية- رغم أخطائه - كانت له حسنات ودافع عن دولة الإسلام، وامتلأ عهد الأمويين عموما بالفتوحات، وبلغت الدولة الإسلامية أقصى اتساع لها فى عهدهم، لكن هذه الحسنات - التى لا ننكرها - يجب ألا تجعلنا نتردد فى وصف جيش معاوية بالبغى دون أن ننزع عنه صفة الإيمان، كما قال تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) فوصف كلتيهما بالإيمان رغم اقتتالهما. ............... أما التطاول على مقام الشيخين الجليلين أبى بكر وعمر، فإنه من عمى القلوب ألا يفطن هؤلاء إلى فضل الصديق المذكور فى القرآن (ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)، أو يشككون فى عمر بن الخطاب أعدل حاكم فى تاريخ الإسلام. إن التجرؤ على مقام الشيخين العظيمين لهو هدم لتاريخ الإسلام كله، وعلامة استفهام أمام تربية النبى لأصحابه، وطعن فى الإمام علىّ نفسه، فلو كانت هناك وصية من الرسول لعلىّ - كما يزعم الشيعة - لقاتل علىّ فى سبيل إنفاذها، ولو كلفه ذلك حياته، وهو الفارس الجسور. [email protected]