لأن حكومتنا شبعانة.. لم يعد يهمها الجعان فى هذا البلد، رغم أنها تستثمر «جوعه» فى تجميل وجهها وتحسين صورتها أمام الرأى العام عندما أطلقت على نفسها حكومة الفقراء.. الذى أتعجب له هنا أن حكومة فشلت فى توصيل الدعم لمستحقيه من الغلابة.. هل نتوقع لها أن تنجح فى توصيل «كرتونة» رمضان للجائع أو للمحتاج.. هى تعلم أن أكثر من 80 فى المائة من الدعم لا يصل إلى مستحقيه، ومع ذلك تهدر ملايين الجنيهات فى كراتين رمضان وهى تعرف جيداً أنها لا تدخل بيوت المستحقين أيضاً.. ولا أعرف متى تستفيد الحكومة من أخطائها فى السنوات الماضية.. فما من شهر رمضان يأتى إلا ونسمع عن المهازل والإهانات التى تحدث بين الطبقات الفقيرة وهى تقف على أبواب الحزب الحاكم وكأنهم فى انتظار ليلة القدر قبل أن يأتى موعدها لعلها تلقى لهم بكراتين رمضان.. مهانة ما بعدها مهانة.. حزب يتعمد إهانة البشر ظنا منه أنه بكرتونة رمضان يستطيع أن يشترى ولاء الشارع المصرى. صور قبيحة تتكرر دائماً مع بداية الشهر الكريم.. رجال الحزب الوطنى وبالذات النجوم منهم الذين يذوبون شوقاً فى «الشو الاستعراضى» يضخون بكميات ضخمة من كراتين رمضان داخل دوائرهم.. على أمل توزيعها على فقراء الدائرة تحت شعار «افطر وادعيلى..» مع أن فى مقدورهم توصيل هذه الكراتين إلى البيوت لتجنيب المحتاج «مذلة» الطوابير وعلى الأقل عدم إراقة ماء وجهه أمام أفراد عائلته.. لكن للأسف ماتت هذه النخوة وماتت معها المروءة ولم نعد نعرف إلا الفشخرة والتباهى. حتى الحكومة لبست هذا الثوب أمام كاميرات التليفزيون ومن خلال تصريحات وزرائها للصحف وأجهزة الإعلام.. فكل يوم يخرج علينا السيد وزير التضامن بسلامته وهو يعلن عن «كراتين رمضان» وكيفية توزيعها على الفقراء والغلابة.. والله عيب.. مع أننى أتمنى أن يعودوا بذاكرتهم إلى ما قبل الثورة.. أيام ما كانت سيدات القصر الملكى مع الجمعيات النسائية يقمن بتوزيع خير رمضان على الأسر فى البيوت ليلاً.. فى هدوء وبلا ضجة إعلامية.. فقد كانت هذه الجمعيات تعتبر أن عملية التوزيع حق شرعى لا يجوز التشهير بأصحابه أو إذلال المستفيدين منه.. لكن على أيامنا الآن.. لو طالت الحكومة تصوير كل من يحصل على كرتونة أمام كاميرات التليفزيون لفعلت.. المهم أن تكسب «بنط» على حساب الغلابة.. مع أن الذى يحدث مع الفقراء هو حق لهم وليس «منحة حزبية». الذى لا يعرفه الآخرون أن مصر شبعانة وأن الخير فيها للركب.. لكن صورتنا فى الخارج سيئة وكأننا نعيش فى مجاعة، فالذين يمسحون أرفف المجمعات والسوبر ماركات من الكميات الهائلة للمواد الغذائية هم عنوان للكرم وليس للبخل. لقد كنت فى حفل افتتاح معرض «سوبر ماركت» الذى أقيم فى مركز المؤتمرات والذى كان يستعرض منتجات ما يزيد على ال 250 شركة غذائية.. رأيت فيه العجب.. زحفاً بشرياً من كل طبقة.. القادرين.. وغير القادرين.. والأسعار لأنها كانت معقولة فقد استطاع هذا المعرض أن يجذب زواراً من الأرياف والمدنيين.. معنى هذا الكلام أن مصر ليست فى مجاعة.. فإذا كان هناك إقبال على مستلزمات الشهر الكريم بهذا الحجم قبل أن يبدأ فماذا نقول بعد أن يبدأ؟ تقرير الجهاز المركزى للاحصاء يقول. إننا ندفع ما يقرب من 200 مليار جنيه سنوياً فى الأكل، وفى شهر رمضان بالذات يصل حجم استهلاكنا من الطعام ما يقرب من 30 مليار جنيه.. والمأساة أن 60 فى المائة من الطعام نرميه فى «الزبالة».. والله هذا الكلام حقيقى وليس من عندياتى. وقد تدهشون لو عرفتم أننا نستهلك مليارين وسبعمائة مليون رغيف فى الأسبوع الأول من شهر رمضان.. ونستهلك أيضاً ما يقرب من عشرة آلاف طن فول مدمس وأربعين مليون دجاجة.. آه لو عرف الآخرون بكرم المصريين ما استثمروا المواقف الداخلية التى نتعرض لها واعتبرونا شعباً جائعاً.. مع أنه لا يوجد شعب أكثر كرماً من المصريين.. الشعب المصرى يشكو من ارتفاع الأسعار ومع ذلك لا يتوقف عن الشراء.. فقد زادت أسعار السكر بنسبة 33 فى المائة.. وزادت معها أسعار الفول والمكرونة والزيت والسمن ولم نسمع أن المجمعات والمراكز التجارية خلت من الزبائن.. بل إن الظاهرة أكدت ارتفاع عدد المستهلكين فقد تعودنا أن نشكو وأيدينا ممدودة فى جيوبنا.. فليس عندنا شىء أهم من إشباع بطوننا.. وقد صدق من قال إننا شعب أكول.. يعنى نحب الأكل وليس هذا عيباً. وليس معنى أننا نحب الأكل أن نجعل من هذا الشهر الكريم شهر بذخ وإسراف.. أو شهراً لإقامة موائد الفشخرة التى نراها فى حفلات الإفطار وعلى السحور.. فالله سبحانه وتعالى جعل منه شهراً للعبادة وليس للإسراف.. فليس معنى أن نقيم مأدبة للأصدقاء أن نتباهى ونتظاهر بعشرات الأصناف للأطعمة التى لا يقترب منها أحد، وقد تبقى فى مكانها كما هى بسبب التخمة التى تصيب المدعوين من تعدد الأصناف. فالمطلوب أن نكون حكماء على الأقل بالاعتدال والتبسيط باعتبارهما أقصر الطرق إلى محبة الله.. فكم من موائد أقيمت فى حب الرحمن وامتلأت فيها البطون.. وخرج المدعوون منها مشبعين.. يقولون الحمد لله.. والزاد فيها لم يزد على صحن فول وعلبة زبادى وقطعة جبن.. ومع ذلك كانت الدعوة مبروكة.. النفوس راضية.. الكل يحمد الله فى شهر العبادة والصوم لأن الصيام ليس فى الأوزى أو الخروف.. ولكن فى رقة القلب وصفاء النوايا.. نحمد الله أنه وحد قلوبنا فى هذا الشهر الكريم.. وتعددت فيه أبواب الخير، المهم أن تكون قلوبنا عامرة بالتقوى والإيمان حتى نكون قريبين من الله.. فإنه سميع مجيب. [email protected]