ليس عيبا أن تتعاقد الحكومة المصرية مع مجموعة «بيل بوتينجر» كبرى الوكالات المتخصصة فى الدعاية والعلاقات العامة فى بريطانيا من أجل تحسين صورتها على الساحة الدولية. لكن العيب الكبير أنها لا تريد أن تقتنع حتى الآن بأن الأولوية هى تحسين صورتها أمام الشعب الذى تحكمه. استئجار الوكالات لتحسين الصورة لم يعد أمرا غريبا عندما بدأ قبل سنوات، لكنه صار الآن أمرا مألوفا للغاية، وتحسين الصورة أو «تبييضها» لم يعد مقصورا على الحكومات أو الهيئات لكنه أصبح يستخدم أيضا مع الأفراد خصوصا المشبوهين منهم. والمتابع الجيد للصحافة المصرية يستطيع أن يتذكر عملية تبييض سرية وغير شريفة نفذها بضعة صحفيين مصريين لرجل الأعمال المصرى ممدوح إسماعيل عقب كارثة العبارة «السلام 98» بهدف محاولة إبعاد نفسه عن جريمة قتل أكثر من ألف مصرى. يحتار المرء كثيرا وهو يرى السعى المحموم للحكومات ومن بينها حكومتنا وهى تحاول تحسين صورتها فى الخارج متجاهلة تماما سمعتها فى الداخل، والسؤال: أيهما الأهم لهذه الحكومات الخارج أم الداخل؟! لكن عندما تدقق فى أسماء الحكومات التى تسعى لمثل هذه النوعية من تحسين الصورة قد لا تندهش كثيرا. وعلى ذمة التقرير الذى نشرته «الشروق» فى صفحتها الأولى أمس فإن حكومات السودان وسريلانكا وكينيا والجابون ورواندا وكازاخستان ومعظم بلدان الخليج تستأجر مثل هذه الوكالات. والقاسم المشترك الوحيد بين هذه الحكومات هو غياب الديمقراطية الحقيقية وعدم الاعتراف بفكرة تداول السلطة وشيوع القمع والتعذيب وتجاهل ثقافة حقوق الإنسان. تستطيع الحكومة المصرية، ومعها الحزب الوطنى المغرم كثيرا باستطلاعات الرأى وحملات الدعاية على الطريقة الأمريكية أن يكلف لجانًا بسيطة لن يدفع لها بالدولار أو الإسترلينى بل بالجنيه المصرى الغلبان، وهذه اللجان ستكون مهمتها بسيطة للغاية وستسأل سؤالا وحيدا لعينة عشوائية من المواطنين هو: «هل أنت راضٍ عن الحكومة وإذا كانت الإجابة بالنفى فلماذا؟!». على الحكومة والحزب الوطنى ألا تنشر نتائج هذا الاستطلاع لأنه فى أغلب الظن فإن نتيجته ستكون كارثية، لكن ميزة هذا الاستطلاع ستعطى الحكومة والحزب الرأى الحقيقى للمواطنين فيها. قد يقول بعض قادة الحزب الوطنى إن الشعب لا يقدر النعيم الذى يعيش فيه وتضحيات المسئولين الذين يكلفون أنفسهم عناء ومشقة حكم مثل هذا الشعب ناكر الجميل، لكن وفى كل الأحوال فإن مثل هذا الاستطلاع سيعطى للحكومة والحزب فرصة تغيير الخطاب وطريقة الحكم حتى يستطيع المواطنون أن يدركوا النعمة التى يعيشون فيها!. أكثر من مسئول فى الحزب الوطنى يحاجج بأن كثرة السيارات الحديثة وتنامى تلال القمامة، وتزايد أعداد الهواتف المحمولة هى دليل على ارتفاع المستوى الاقتصادى للمصريين..لكنك يندر أن تجد مواطنا واحدا راضيا عن حاله فى مصر، وصورة الحكومة لديه أسوأ أحيانا من صورة حكومة نتنياهو وليبرمان. إذن ألا يستحق ذلك من حكومتنا وحزبنا الحاكم أن يكلف وكالة أجنبية أو محلية أو مشتركة كى تحاول تحسين صورته لدى مواطنيه أولا. على الحكومة أن تتذكر أن الصورة الجيدة فى الخارج قد تفيد للحظات أو شهور لكنها خادعة فى أوقات كثيرة، وعلى من ينكر ذلك أن يتذكر صورة شاه إيران حتى قبل لحظات سقوطه بدقائق، كان الفتى المدلل للغرب.. وعندما سقط تخلى الجميع عنه.. حتى عن توفير مكان يدفن فيه. ولماذا نذهب بعيدا.. هل نسيتم صورة الرئيس محمد أنور السادات فى الخارج قبل اغتياله، كانت معظم الصحف العالمية تتعامل معه باعتباره أقرب إلى الأنبياء، لكن صورته فى الداخل كانت متداعية. تذكروا يا أولى الألباب.